ابريل 2011
1
التحكيمِ الإلكترونى : المزايا والعيوب المصدر: ملف الأهرام الإستراتيجى بقلم: هشام بشير
ليس جديدا القول باننا نعيش فى مرحلةٍ جديدة، الغلبة فيها لمُجتمعِ المعلوماتية، فبعد شيوع استخدام تقنيَّات المعلومات والاتصالات فى إنجازِ الأعمالِ الإلكترونية، وإبرام العقودِ وتنفيذها عبر شبكة الإنترنت، اتجه التفكيرُ إلى استخدامِ نفس هذه التقنيَّات الإلكترونية لتسويةِ ما قد ينشأ عن هذه الأعمال من مُنازعات، بمعنى أنَّ إجراءاتها تُجرى عبر شبكاتِ الوسائلِ الإلكترونية، دون حاجةٍ لوجود أطرافِ هذه المُنازعة فى مكانٍ واحد.
ومع أنَ التحكيم التقليدى المُتعارف عليه دوليًا فى حلِ مُنازعات التجارةِ الدوليةِ سريعٌ وغير مُكلفٍ ماديًا بالنسبةِ للأطرافِ، إلَّا أنَّ هذا التحكيمُ يبقى بالنسبةِ لمُعاملات التجارةِ الإلكترونيةِ بطيئًا ومُكلِّفًا، وذلك بسبب ضآلة المبالغ المادية أو التعويضِ المُطالب به فى غالبِ الأحيان، وما قد ينتج عن ذلك البطءُ والتكاليف من تقاعسِ الأفرادِ والمُستهلكين وحتى التجار عن المُطالبةِ بحقوقهم، إضافةً إلى ما يتطلَّبه من تبادلٍ مادى للبيانات والطلبات والدفوع من الأطرافِ والاستماع المباشر للشهودِ.
يستمد التحكيمُ الإلكترونى أهميته من المزايا التى يُحقِّقُها كأسلوبٍ لفضِ المُنازعات، ولاسيَّما تلك الناشئةَ عن التجارةِ الإلكترونيةِ، ومن هذه المزايا ما يشتركُ فيه التحكيمُ الإلكترونى مع التحكيمٍ التقليدي، ومنها ما تُعدُّ مزايا ينفرد بها التحكيمُ الإلكتروني، وهى مزايا تُرد فى غالبِ الأحوالِ إلى الوسيلةِ الإلكترونية التى يتم التحكيمُ الإلكترونى عبرها، إلَّا أنَّ للتحكيم الإلكترونى فى الوقت ذاته مساوئ أيضًا، وهذه المساوئ تُرد كما هو حال المزايا إلى الوسطِ الإلكترونى الذى يتمُّ خلاله التحكيمُ الإلكتروني.
تعريفُ التحكيمِ الإلكتروني
يُقصد بالتحكيمِ فى الاصطلاحِ القانونى اتفاقُ أطرافِ علاقةٍ قانونيةٍ مُعيَّنة عقدية أو غير عقدية، على أنْ يتم الفصلُ فى المُنازعة التى ثارت بينهم بالفعلِ، أو التى يحتمل أنْ تثور عن طريقِ أشخاصٍ يتم اختيارهم كمُحكِّمين، ويتولى الأطرافُ تحديد أشخاصِ المُحَكِّمين أو على الأقلِ يتضمَّن اتفاقُهم على التحكيمِ بيانًا لكيفيةِ اختيارِ المُحَكِّمين أو أنْ يعهدوا لهيئةٍ أو مركزٍ من الهيئات أو مراكز التحكيم الدائمة لتتولى تنظيمَ عمليةِ التحكيمِ وفقًا للقواعدِ أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز، فهو نظامُ تسويةُ المُنازعات عن طريقِ أفرادٍ عاديين يختارهم الخصومُ مُباشرةً أو عن طريقِ وسيلةٍ أخرى يرتضونها، فى هذا النظام هو قضاءٌ خاصٌ تُقضى فيه خصومةٌ مُعينة من اختصاصِ القضاءِ العادى ويُعهَد بها إلى أشخاصٍ يُختارون للفصل فيها.
اما "التحكيمِ الإلكتروني" فيقصد به" التحكيمُ الذى يُمكِن أنْ يتمَّ إجراؤه بشكلٍ عام، أو جُزئى عبر الإنترنت أو وسائل الاتصال الإلكترونية الأخرى.
ويتَّضحُ من التعريفِ السابقِ، أنَّ تعريف التحكيم الإلكترونى لا يختلف عن التحكيمِ التقليدي، إلَّا من خلالِ الوسيلةِ التى تتم فيها إجراءاتُ التحكيمِ فى العالم الافتراضي، فلا وجودَ للورقِ والكتابةِ التقليديةِ أو الحضورِ المادى للأشخاصِ فى هذا التحكيم، حتى أنَّ الأحكامَ قد يحصُل عليها الأطرافُ موقَّعةً وجاهزةً بطريقٍ إلكتروني.
وبعبارةٍ أخرى فإنَّ التحكيمَ الإلكترونى يتميَّز فى الآليةِ التى يتم بها إجراؤه من بدايته إلى نهايته؛ حيث يتم عن طريقِ استخدامِ الإنترنت، وغيره من وسائلِ الاتصالِ الحديثِة مثل الحاسب الآلى أو الفاكس وغيرها، وذلك أنَّ التحكيمَ الإلكترونى لابدَّ وأنْ يستندَ إلى اتفاقٍ بين أطرافه على حسمِ ما قد ينشأ بينهم من مُنازعات عن طريقه، وهذا الاتفاقُ فى الغالبِ ما يكون إلكترونياً، حيث يتم تبادُل الرسائلِ الإلكترونية فيما بين الأطرافِ ثُمَّ فيما بينهم وبين هيئاتٍ أو مراكزِ التحكيمِ الإلكترونى عن طريق تعبئةِ نموذجٍ إلكترونى خاص ببعضِ مراكز التحكيم التى تُباشر نشاطها عبر الإنترنت، ثُمَّ تبدأ إجراءات التحكيم بصورٍ إلكترونية مثل الجلسات التى تُعقد عبر الإنترنت أو بواسطةِ تبادُل الرسائل الإلكترونية بين أعضاءِ هيئةِ التحكيمِ أو تقديمِ الأدلةِ عن طريقِ الوسائلِ الإلكترونيةِ أو سماعِ الشهودِ عن طريقِ الرسائلِ الإلكترونيةِ، ثُمَّ صدور الحُكم عن طريقِ هيئةِ التحكيمِ الإلكتروني.
مُميِّزات التحكيمِ الإلكتروني
لعلَّ أهم مزايا التحكيمِ الإلكترونى تتمثل فى زيادة وتشجيع الاستثمارِ، فلاشكَّ فى أنَّ بساطةَ الإجراءات وسُرعتها كميزةٍ للتحكيمِ، من شأنها أنْ تؤدى إلى زيادةِ الاستثمارِ وتشجيعه وجذبه. كما أنَّ التحكيمَ الإلكترونى - مثله مثل التحكيمِ التقليدي- يتميز بسريَّةِ الإجراءات وعدمِ العلانية؛ ذلك أنَّ استخدامَ الوسائل الفنيَّة والتقنية فى إجراءاته واتباع وسائل التنفيذ وغيرها تجعل الوصول إلى هذه الأحكامِ كما يقول البعض أمرًا صعبا، بل وتقضى على حالاتِ الإهمالِ المادى التى قد تؤدى إلى الكشفِ عن مضمونِ بعضِ الأحكام. ومما لاشكَّ فيه أن هذه كلها مُميِّزات تعمل على توفيرِ مناخٍ مُلائمٍ للاستثمار وتشجعه.
من المزايا أيضا سرعةُ حسمِ النزاعِ، فمن أهم ما يُميِّز التحكيم الإلكترونى هو السرعةُ فى الفصلِ بالنزاعِ، وهذه الميزةُ تفوق كثيرًا ما يجرى به تداول هذه المُنازعات فى أروقةِ المحاكمِ العادية من بطءٍ للقضايا، خاصةً مع ازدياد عقود التجارة الإلكترونية، حتى أن هذا التحكيمَ يفوق كثيرًا سُرعة الفصلِ فى المُنازعات المعروضة عليه مُقارنةً باللجوءِ للتحكيمِ التجارى العادى الذى يحتاج مدةً أطول بكثير مما يتطلَّبه هذا التحكيمُ، وسببُ ذلك هو الحضورُ المادى للأطرافِ ولهيئةِ التحكيمِ وتبادل المُرافعات والبيانات بين أطرافِ الدعوى. يضاف الى ذلك أيضا التقليل من النفقات، فإذا كانت ثمة مثالب للتحكيم العادى تتمثَّل فى كثرة النفقات والمصاريف بسبب أتعاب هيئة التحكيم وأتعاب المُحامين، وكذلك مصاريف الانتقال لأعضاءِ هيئة التحكيم لاسيَّما لو كانوا فى دولٍ مُختلفة عن دولةِ مقرِ التحكيمِ، وغيرها من المصروفات الإدارية، فإنَّ هذا العيبَ لا يوجد عند اتباع التحكيمِ الإلكتروني.
وتبقى هناك ميزة اخرى هى المُلاءمة، حيث إن خلافًا للمحاكمِ أو هيئاتِ التحكيمِ التقليدية، فإنَّ التحكيمَ الإلكترونى مُتاحٌ على مدارِ أربعٍ وعشرين ساعةً فى اليومِ وسبعةِ أيامٍ فى الأسبوع، هذه الميزةُ تُمكِّن الأطرافَ من إرسالِ رسائل البريد الإلكترونى أو الاتصال فى أى وقتٍ، ويُمكنهم أيضًا مُمارسةُ التحكيمِ الإلكترونى من أى مكانٍ دون قيدٍ، حيث يتم ذلك بواسطة جهاز الكمبيوتر فى المنزلِ أو فى العملِ أو أى مكانٍ آخر، فأصبح بإمكانِ أطرافِ النزاعِ والمُحَكِّمين التواصل بشكلٍ مُباشر دون الوجود فعليًّا فى نفسِ المكان.
عيوب التحكيم الالكتروني
على الرغمِ من المُميِّزات التى تُميِّز التحكيمَ الإلكترونى عن القضاءِ العادى والتحكيم التقليدي، فإنَ له أيضا بعض المخاطر والعيوب المُصاحبة له، ونذكر منها العيوب الآتية:
- عدم تطبيق المُحَكِّم للقواعد الحمائية والآمرة، حيث يخشى الأطرافُ وخاصةً الطرف صاحب الموقف الضعيف فى العقدِ من اللجوءِ إلى التحكيمِ بصفةٍ عامة، والتحكيمُ الإلكترونى بصفةٍ خاصة، وذلك بسبب الخشية من عدم تطبيق القواعد الآمرة والحمائية المنصوص عليها فى القانون الوطني، خاصةً إذا كان هذا الطرفُ مُستهلكًا، مما يترتب عليه بُطلان حُكم التحكيم، وعدم إمكانية تطبيقه وتنفيذه على أرضِ الواقع، وكذلك عند اختيار القانون الواجب التطبيق غير قانون المُستهلك الوطنى ليحكم النزاع، فإنَّ المُحَكِّم لن يُطبق هذه القواعد الحمائية المنصوص عليها فى قانونِ المُستهلك الوطني؛ لأنه لا يطبق إلَّا القانون المُختار، وذلك لأنه ليس قاضيًا فلا يلتزم بتطبيق القواعد الآمرة، حتى فى الدولةِ التى يوجد فيها مقرُ محكمة التحكيم، ولذا فقد عارضَ كثيرون اللجوءَ للتحكيمِ الالكترونى لأنَّ حمايةَ الطرفِ الضعيفِ تكون دائمًا من خلالِ القواعدِ الآمرة التى يضعها مشرعو الدولةِ لحماية طائفة خاصة أو مصالح جماعية، ولا يهتم المُحَكِّمُ إلَّا بحلِ النزاعِ بين الأطرافِ دون النظرِ إلى مصالح السياسة التشريعية العُليا للدولِ.
- عدم الثقة فى التعامُلاتِ الإلكترونيةِ سواء من الطرفِ الآخر أو من هيئة التحكيم المحجوبة عنه، فضلاً عن التشكيكِ فى إمكانيةِ تنفيذِ حُكم التحكيم الإلكترونى الصادر من الهيئةِ التحكيمية.
- الخشيةُ من عدم سريَّةِ التحكيمِ: إنَّ التحكيمَ الإلكترونى قد لا تتحقِق له السريَّة المُبتغاة بالنسبةِ ذاتها التى يُحقِّقها التحكيمُ التقليدي، ويعود السببُ فى ذلك إلى أنَّ إجراءات التحكيم الإلكترونى تتم عبر الإنترنت، وهذا الوسطُ قد يُشكِّل تهديدًا لسريَّة التحكيمِ، إذْ أنَّ إجراءات التحكيم تقتضى – رغبةً فى الحفاظِ على السريَّة- أنْ يكونَ لكلِ طرفٍ رقمٌ سرى يُتيح له وحده الدخول إلى الموقعِ الخاصِ بالقضيةِ التى يجرى التحكيمُ فيها، فيلتقى بالمُحَكِّمِ أو بالطرفِ الآخر، ويتمكَّن من الحصولِ على الوثائق والمُستندات المُتعلِّقة بالنزاعِ، إلا أنَّ حصولَ أطرافِ النزاعِ على الأرقامِ السريِّةِ يتطلَّب تدخل أشخاصٍ آخرين لا علاقة لهم بالنزاعِ لتيسيرِ حصولهم على الأرقامِ السريَّة، وهؤلاء الأشخاصُ هم بطبيعةِ الحالِ من المُختصين فنياً بهذا الشأن، وهذا ما يعنى عملاً أنَّ معرفة الأرقام السريَّة لم تعُد مقصورةً على أطرافِ النزاعِ وحدهم، وهو ما قد يُشكِّل تهديدًا لسريَّة التحكيم.
واجمالاً فرغم العيوب سالفة الذَّكر فان ما يتمتعُ بها التحكيمُ الإلكترونى كنظامٍ لفضِّ المُنازعات الإلكترونية أو حتى العادية، تبدو أهميته وضرورته فى مجالِ المُنازعات الناشئة عن تنفيذِ العقودِ والصفقاتِ الإلكترونية التجارية، حيث إنَّه لماَّ كان ثمة اختلاف بين كيفية إبرام وتنفيذ الصفقات التُجارية التقليدية وإبرام وتنفيذ الصفقات التُجارية الإلكترونية فى مجالِ التجارةِ الإلكترونيةِ، وهذا الاختلافُ كان مؤداه ضرورة تبنى قواعد قانونية جديدة تتلاءم مع التجارةِ الإلكترونيةِ والمُعاملات الإلكترونية بصفةٍ عامة، وهذا التبنى لهذه القواعد يجب أنْ يُصاحبه ويُلازمه تبنى آليات ووسائل جديدة لحلِ المُنازعات الناشئةِ عنها. وكان على رأسِ هذه الوسائل التحكيم الإلكتروني؛ حيث إنَّه – كما عرضنا – يتمتع بمُميِّزاتِ التحكيمِ العادى ويتجرد من مثالبه، وبالتالى بات يُزيد من مُميِّزاتِ التحكيمِ العادى ويقضى على عيوبه، وأيضًا يدل على هذا الاستنتاج، حيث إنَّ الوثائق الدولية توصى بتشجيع اللجوءِ إليه باعتباره من الوسائل الإلكترونية المهمة لحلِ المُنازعات.