افتراضي بحث فى الدستور والقوانين المكملة لة بناء على طلب الاستاذ 11
المرحلة الثانية : فتتمثل في عرض مشروع الدستور على الشعب في استفتاء عام 0
سواء قام بوضع مشروع وثيقة الدستور جمعية نيابية تأسيسية أو لجنة حكومية فأنه يشترط لصدور الوثيقة الدستورية ونفاذها و جوب عرضها للاستفتاء الدستوري و موافقة الشعب عليها
وبالتالي فأن مشروع وثيقة الدستور الذي يوضع بإحدى الطريقتين السابقتين لا يتخذ قوته القانونية الإلزامية إلا بعد موافقة الشعب عليه عن طريق الاستفتاء الدستوري بحيث إذا لم يوافق الشعب عليه اعتبر كان لم يكن
وعلى هذا النحو ترتكز القوة القانونية للدستور إلى موافقة الشعب ذاته لا إلى جهة التي قامت بإعداده وصياغته حتى لو كانت الجمعية منتخبة ودليل ذلك ما حدث في فرنسا عند إعداد دستور عام 1946 إذ رفض الشعب في 5 مايو 1946 الموافقة على الدستور الذي أعدته الجمعية التي تم انتخابها لهذا الغرض وكان من نتيجة ذلك أن اعد مشروع جديد بواسطة جمعية أخرى و عرض على الشعب في أكتوبر عام 1946 وكل مواطن توافرت فيه شروط الناخب – كالجنسية و السن – يستطيع أن يبدي برأيه في مشروع الدستور
هذا ويلاحظ أن نظام الاستفتاء الدستوري من شأنه أن ينمي قدرات المواطنين و يرفع من مكانتهم السياسية ويشعرهم بأهمية الدور الذي يقومون به في تحديد نظامهم السياسي و بناء مؤسساتهم الدستورية ، ونظرا لأهمية طريقة الاستفتاء الدستوري في وضع الدستور فلا بد من توافر بعض الشروط وذلك لكي تكون النتيجة خير معبر عن الإرادة الشعبية ومن هذه الشروط
أ- أن يكون الشعب المستفتى قد وصل لدرجة مقبولة من النضج و الوعي السياسي
ب- أن يعلن مشروع الدستور على الشعب بواسطة أجهزة الإعلام المختلفة وأن يتم نشر مشروع الدستور بشكل متكامل دون أدنى حذف أو تغيير
ج- أن تترك مدة كافية و مناسبة للشعب للاطلاع على مشروع الدستور و مناقشة مواده وما تضمنه من أحكام لكي تسمح لأفراد الشعب بأن يكونوا على بينة و معرفة كاملة بحقيقة و جوهر المشروع المستفتى عليه ليتمكنوا من المفاضلة بين اتجاه وآخر
د- أن يتم الاستفتاء في جو من الحرية و النزاهة و الحيادية بحيث تستقل إرادة الشعب وحدها في التعبير عن الموافقة أو الرفض لمشروع الدستور
ومن أمثلة الدساتير التي وضعت بطريقة الاستفتاء الدستوري :
الدستور الفرنسي لعام 1958 و الدستور التركي لعام 1982 والدستور المصري لعام 1971 والدستور السوري لعام 1973 والدستور الجزائري لعام 1989 و الدستور اليماني لعام 1990 والدستور الموريتاني لعام 1991
المعاهدة الدولية كأحد أساليب نشأة الدستور
أضاف جانب من الفقه إلى أساليب نشأة الدستور – والتي اشرنا إليها – أسلوبا آخر : وضع الدستور بواسطة المعاهدات الدولية 0
ورأى الفقه أن قواعد القانون الدولي ساهمت في تكوين القواعد الدستورية من خلال إقامة عدد من الدساتير بموجب أحكام معاهدة بين عدد من الدول أو على اثر معاهدة بينها
وعلى سبيل المثال الدستور السويسري الصادر عام 1848 والذي يرجع أساسه إلى معاهدة عقدت بين عدد من المقاطعات اتحدت للدفاع عن مصالحها المشتركة ، وفي ألمانيا كان الدستور الصادر عام 1867 ( والنافذ حتى عام 1918) يجد أصول قواعده في المعاهدة المعقودة بين (39) دولة ألمانية عام 1815 وفي الوثيقة التي اقرها مندبوا هذه الدول عام 1820 0
ويسري هذا التأصيل على جميع الدساتير الفيدرالية والكونفدرالية حيث أن أحكامها تجد أصولها في معاهدات و مواثيق دولية 0
وقد ساهمت قواعد القانون الدولي في إقامة دستور النمسا الاتحادي عام 1920 ووضع الدستور اليوغسلافي عام 1946 وفي تكوين قواعد الدستور السوفيتي الصادر عام 1924 كما تأثرت دساتير دول أمريكا اللاتينية في تكوين قواعدها بالمعاهدات الدولية التي عقدت بين الدول المكونة لها ومن أمثلة ذلك الدستور الأرجنتيني لعام 1853 والدستور المكسيكي لعام 1850 والدستور البرازيلي لعام 1889 و كذلك دستور عام 1946
ومن أمثلة الدساتير العربية التي تأسست بمقتضى اتفاق دولي الدستور المؤقت للجمهورية العربية المتحدة لعام 1958 و الذي صدر بموجب اتفاق المعقود بين سوريا و مصر بعد إجراء استفتاء عام عليه
لقد امتد دور القانون الدولي في إقامة الدساتير الوطنية من خلال عهد العصبة و ميثاق الأمم المتحدة في ضوء نظامي الانتداب و الوصاية واستغلال ذلك في إقامة دساتير الدول التي وضعت تحت نظام الحماية أو الانتداب بما يحفظ مصالح الدول الكبرى القائمة على أمرها و من ذلك الدستور الأردني عام 1928 الذي وضع بناء على قرار دولي تمثل في صك الانتداب و كذلك إقامة الدستور الليبي الاتحادي الصادر عام 1956 تحت تأثير الأمم المتحدة و إقامة دستور الحبشة عام 1952 بمقتضى قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1950
ونجد الأصل ألاتفاقي : أيضاً في الدستور العراقي لعام 1925 إذ كان للمعاهدة المعقودة بين بريطانيا والعراق عام 1922 دورا رئيسيا و مباشرا في تكوين القواعد الأساسية التي حددت سمات الدستور العراقي وذلك بما وضعته هذه المعاهدة في مادتها الثالثة من التزامات فرضت على العراق تنفيذها من خلال صياغتها في قواعد دستورية فلقد جاء في هذه المادة ، أن يوافق فيصل الأول ملك العراق على وضع مشروع ((قانون أساسي)) لعرضه على المجلس التأسيسي العراقي كما يوافق على تنفيذ هذا الدستور بشرط أن لا يتضمن شيئا مناقضا لأحكام معاهدة 1922 واشترطت هذه المادة أيضاً أن يأخذ الدستور في الاعتبار حقوق جميع السكان في العراق و رغباتهم و مصالحهم وأن يضمن للجميع حرية الرأي و حرية القيام بمختلف الشعائر الدينية بشرط أن لايضر ذلك بالنظام و الآداب العامة كما اقتضت المادة المذكورة بأن لا يفرق الدستور بين سكان العراق و لا يقيم أي تميز بينهم بسبب اللغة أو الجنس أو الدين وبأن تحتفظ كل طائفة بمدارسها الخاصة في تعليم أفرادها بلغتها الخاصة على أن يكون ذلك متفقا ومقتضيات التعليم العامة التي تتطلبها الحكومة وأخيراً نصت هذه المادة على أن يعين الدستور الأصول الدستورية تشريعية كانت أو تنفيذية التي ستتبع في اتخاذ القرارات في جميع الشؤون المهمة بما فيها المرتبطة بالمسائل المالية والنقدية و العسكرية
وقد جسدت نصوص الدستور العراقي الصادر في (21) آذار 1925 مضمون هذه المادة تجسيدا كاملا ويتضح هذا بجلاء في النصوص الخاصة بالحقوق والحريات العامة وأخيراً يجدر التذكر أن دستور قبرص الصادر عام 1960 كان ثمرة معاهدة الضمان التي عقدت بين اليونان و تركيا و بريطانيا عام 1960وهو جزء منها0
وهكذا قامت الطريقة على أساس نشأة الدستور نتيجة اتفاق أو معاهدة دولية معقودة بين دولتين أو أكثر و الأخذ بهذا الأسلوب يعني أن المعاهدة الدولية تكون واجبة النفاذ من تلقاء نفسها أي لا يتوقف هذا النفاذ على إقرارها من قبل السلطات المختصة داخل الدولة
غير أن هذا الاتجاه لم يلق تأييداً من جانب آخر من الفقه حيث لا يقر بالمعاهدة كأسلوب مستقل من أساليب نشأة الدستور ذلك لأن مضمون المعاهدة يرمي إلى تنظيم العلاقات بين الدول على عكس مضمون الدستور الذي يهدف إلى تنظيم سلطات الدولة و العلاقات بينها وبين الأفراد ومن ثم فأن الدستور يجب أن يكون صادرا عن سلطة تأسيسية داخل الدولة فإذا تم وضع الدستور عن طريق معاهدة دولية فأن إقرار هذه المعاهدة ونفاذها يعود إلى السلطة الحاكمة وهذا يعني أن صدوره يبقى من صلاحيات السلطة الداخلية
وصفوة القول أنه في الحالات التي يثبت فيها أن وثيقة الدستور قد نشأت نتيجة معاهدة دولية ينبغي – لكي يمكن تحديد الأسلوب الذي نشأت به – أن نبحث عن السلطة التي تملك داخل الدولة إقرار تلك المعاهدة وأن نعتبر وثيقة الدستور صادره عنها 0
أساليب نشأة الدستور ليست جامعة مانعة
لقد اشرنا إلى الأساليب العامة التقليدية في نشأة الدساتير وبينا تقسيمات الفقه الدستوري لتلك الأساليب ديمقراطية أو غير ديمقراطية
والتساؤل الذي يثار بهذا الشأن : هل أن أساليب نشأة الدساتير جامعة مانعة ؟
أن الأساليب التي ذكرناها ليست أساليب جامعة أو مانعة بمعنى أن هذه الأساليب قد تتنوع فيلحق بها طرق أخرى لا يمكن إدراجها ضمن الأساليب الأربعة التقليدية 0
ومن أمثلة ذلك الدستور المصري لعام 1953 والدستور العراقي لعام 1958 وكذلك الدستور العراقي لعام 1964 فهذه الدساتير لا يمكن اعتباراها منحة أو عقدا كما لا يمكن اعتبارها صادرة عن جمعية تأسيسية أو نتيجة استفتاء شعبي فهي في حقيقتها قد نشأت بأساليب أخرى مغايرة و مختلفة ومن ثم لا يمكن أن تنضوي تحت أي من التقسيمات التقليدية 0
الفصل الثالث
المحتوى و الرقابة على الدستور
المبحث الأول
محتوى الدستور
لئن نضرنا إلى الدستور بمفهومه الضيق ، أي اعتباره الوثيقة الدستورية المكتوبة وأردنا التعرف إلى محتواه فإننا نجده يختلف من دولة إلى أخرى
ولكن بالرغم من هذا الاختلاف بين دساتير دول العالم فهناك حقيقة واقعة تتمثل في إن الدساتير في أساس وجودها وفي الهدف الذي تسعى إليه ، تخضع لقواعد عامة مشتركة ، وعلى هذا الأساس يمكننا ان نتكلم عن محتوى الدستور وبنائه الداخلي انطلاقا من المعالم و السمات الرئيسية التي تشترك فيها اغلب الدساتير
ولو القينا نظرة على الأوضاع الدستورية في عدد من النظم الدستورية لوجدنا كلها تقريبا قد انتهجت في تبويب وثيقة الدستور احد إسلوبين
الأول : ويتجسد في صياغة وثيقة الدستور على نحو يُضمنها مقدمة وديباجة تتصدر أحكامها وتمهد لها كما تحتوي قواعد تجسد صلب ومتن الدستور
الثاني : ويتجسد في صياغة وثيقة الدستور بشكل لا يتضمن التمهيد لأحكامها حيث لا تحتوي وثيقة الدستور على مقدمة أو ديباجة و إنما يقتصر بناءها الداخلي على القواعد تمثل صلب ومتن الوثيقة الدستورية
وفي ضوء ما تقدم سنعرض لمحتوى وثيقة الدستور وذلك في محورين وعلى النحو التالي :
المحور الأول : مقدمة الدستور
المحور الثاني : صلب الدستور
المحور الأول
مقدمة الدستور
تحرص بعض الدساتير على أن تتضمن في مستهلها ديباجة او مقدمة
وتحتل المقدمة صدر الوثائق الدستورية وبدايتها قبل سرد موادها المختلفة ونتناول بالتحديد المبادئ الأساسية التي يحرص عليها المجتمع و الفلسفة التي تحدد صورة المذهب السياسي و الاجتماعي في الدولة وبصفة خاصة ما يحرص عليه الشعب من حقوق ويتمسك بها
وبتعبير آخر تتضمن المقدمة الإشارة إلى منابع الدستور و المبادئ الجوهرية التي يقوم عليها والأهداف التي يسعى المجتمع لتحقيقها وترسم المقدمة – عادة – الخطوط الرئيسية التي يبتغيها واضع الدستور كمنهج لسياسة الدولة وإرادتها
وقد تضمنت الديباجة ( المقدمة ) قواعد تتعلق بحقوق الإنسان المدنية والسياسية و الاجتماعية و الاقتصادية والثقافية
ويلاحظ إن دستور فرنسا لعام 1791 مثلا يتصدر إعلان الحقوق الصادر عام 1789 كما ان دستور فرنسا لعام 1946 أكد في ديباجته التمسك بإعلان الحقوق الصادر عام 1789 بالإضافة لطرحه في هذه الديباجة ، مبادئ أخرى وقد أكد الدستور الفرنسي لعام 1958 في ديباجته تمسكه ( أو تمسك الشعب الفرنسي – على حد تعبيره ) بحقوق الإنسان كما حددها إعلان الحقوق لعام 1789 وكما أكدتها وأكملتها ديباجة دستور عام 1946 0
هذا ويختلف إسلوب صياغة المقدمة ( الديباجة ) فقد تصاغ و تنتظم على شكل فقرات عدة
ومن أمثلة ذلك الدستور العراقي لعام 1925 والدستور اللبناني لعام 1926
أو قد تصاغ على شكل سرد وشرح للأفكار وفقا لمنهج علمي وفلسفي
ومن أمثلة ذلك الدستور الفرنسي لعام 1946 والدستور الفرنسي لعام 1958 والدستور التونسي لعام 1959 والدستور الصيني لعام 1982 والدستور الموريتاني لعام 1991 والدستور السويسري لعام 1998
ونعرض فيما يلي لبعض الوثائق الدستورية التي تضمنت مقدمة أو ديباجة
وقد تضمن الدستور الايطالي لعام 1947 مقدمة احتوت على المبادئ الأساسية التالية :
المبدأ الأول : الاعتراف بحقوق الإنسان
المبدأ الثاني : الحق في الكرامة
المبدأ الثالث : الحق في المساواة أمام القانون
المبدأ الرابع : الحق في العمل
المبدأ الخامس : الحق في الحرية الدينية
المبدأ السادس : تقييد النظام القضائي بالقوانين الدولية
المبدأ السابع : حق اللجوء السياسي
كما احتوى الدستور الفرنسي الصادر عام 1946 على مقدمة أشارت إلى (( انتصار الشعوب الحرة على الأنظمة التي حاولت استعباد الإنسان 000)) وقالت إن الشعب الفرنسي يرى أن يعلن مجدداً على اثر هذا النصر إن كل كائن بشري يتمتع بحقوق مقدمة دون تمييز أو تعريف بسبب العنصر أو الدين أو المعتقد 0
كما وان المقدمة أعلنت تمسك الشعب الفرنسي بالمبادئ التي تضمنتها قوانين الجمهورية وهذا يعني إن دستور عام 1946 يعترف بالمبادئ التي وردت في (( قوانين هامة )) صدرت من قبل ، كقانون الصحافة و قانون التجمع وقانون الجمعيات
والملاحظ إن المقدمة احتوت على ثلاث محاور أساسية :
أولا : المبادئ المضافة لإعلان عام 1789 :
تضمنت المقدمة مبادئ تشكل إضافات لإعلان الحقوق الصادر عام 1789 وعلى النحو التالي
المبدأ الأول : حق المساواة بين المرأة و الرجل
المبدأ الثاني : حق اللجوء السياسي
ثانيا : المبادئ الاقتصادية و الاجتماعية :
أراد واضعو مقدمة 1946 من وراء صياغة هذه المبادئ ، توسيع الديمقراطية السياسية إلى المجالين الاقتصادي و الاجتماعي و على النحو التالي :
المبدأ الأول : العمل حق وواجب
المبدأ الثاني : الاعتراف الرسمي بالتعددية النقابية و حرية الانتساب إلى النقابة
المبدأ الثالث : ممارسة حق الإضراب في نطاق القانون
المبدأ الرابع : إسهام كل عامل في تحديد شروط العمل
المبدأ الخامس : موقع الأسرة
المبدأ السادس الحق بحياة لائقة
المبدأ السابع : الحق بالتضامن الوطني
المبدأ الثامن : الحق بالتعلم والثقافة
ثالثا : المبادئ المتصلة بالقانون الدولي :
أشارت المقدمة إلى التزام الجمهورية الفرنسية و تمسكها بقواعد القانون الدولي العام ولن تخوض أي حرب تستهدف الغزو ولن تستخدم قواتها أبدا ضد أي شعب
وتضمن الدستور الفرنسي الصادر عام 1958 مقدمة أوضحت تمسك الشعب الفرنسي بصفة رسمية بحقوق الإنسان و مبادئ السيادة الوطنية كما حددها إعلان عام 1789 وأكدتها وأكملتها مقدمة دستور 1946
- كما حرصت دساتير الدول العربية على تضمين وثائقها الدستورية على ديباجة أو مقدمة تحدد الفلسفة التي تحكم نظام الحكم في هذه الدول فقد تضمن الدستور اللبناني الصادر عام 1926 مقدمة ارتكزت على المبادئ التالية :
المبدأ الأول : استقلال لبنان
المبدأ الثاني : احترام الحريات العامة
المبدأ الثالث : سيادة الشعب
المبدأ الرابع : الفصل بين السلطات و توازنها و تعاونها
المبدأ الخامس : النظام الاقتصادي الحر
المبدأ السادس : إلغاء الطائفية السياسية
كما احتوى الدستور التونسي لعام 1959 على (( توطئة)) أوضحت تصميم الشعب التونسي على توثيق عرى الوحدة القومية و التمسك بالقيم الإنسانية المشاعة بين الشعوب التي تدين بكرامة الإنسان و العدالة والحرية كما أوضحت أن النظام الجمهوري خير كفيل لحقوق الإنسان
والتساؤل الذي يرد في هذا المجال حول مدى القيمة القانونية لمقدمة الدستور ( أو الديباجة ) ؟
أثار موضوع القيمة القانونية لمقدمة الدستور الكثير من الجدل بين فقهاء القانون العام و تتراوح الآراء المختلفة حول هذا الموضوع بين الاعتراف لمقدمة الدستور بقيمة أعلى من الدستور وبين عدم الاعتراف لها بأي قيمة قانونية مع وجود آراء عديدة تبنت منهجا وسطا بين هذين الرأيين وتتمثل الآراء الفقهية بما يأتي :
الرأي الأول :
يعترف لمقدمة الدستور بقيمة قانونية أعلى من قيمة الدستور وأساس هذا الرأي إن المقدمة تدون مبادئ كامنة في ضمير الشعوب يتعين احترامها وهذه المبادئ واجبة الاحترام من السلطة التأسيسية الأصلية التي تضع الدستور 0
وهذا الرأي مردود لسببين أساسين ، الأول لتعارضه مع مبدأ تدرج القوانين الذي لا يتضمن قواعد تعلو الدستور 0 والثاني لتعارضه مع المنطق فالسلطة التأسيسية الأصلية هي التي وضعت الدستور وضمنته مقدمة لا يمكن القول بان إرادتها عند وضع المقدمة أعلى من إرادتها عند وضع المتن أو صلب الدستور 0
الرأي الثاني :
يذهب إلى إن مقدمة الدستور لها قيمة قانونية تعادل قيمة النصوص التي يتضمنها الدستور ، طالما ان المقدمة تعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور
فالسلطة التأسيسية الأصلية عند وضعها الدستور عبرت عن إرادتها في شكلين :
الشكل الأول / هو المبادئ والمثل والأهداف وضمنتها مقدمة الدستور
الشكل الثاني / هو القواعد القانونية المحددة التي تعالج على وجه الدقة حقوقا والتزامات واختصاصات
ومن هنا فإن المقدمة وصلب الدستور لهما نفس القيمة القانونية باعتبارهما تعبيرا عن ارادة واحدة وصادرين في وثيقة واحدة 0
الرأي الثالث :
يمنح المبادئ الواردة في المقدمة قيمة قانونية أدنى من قيمة الدستور وبتعبير آخر قيمة تعادل القانون العادي
وسند هذا الرأي إن السلطة التأسيسية الأصلية لو كانت تريد منح هذه المبادئ ذات القيمة القانونية التي تتمتع بها النصوص الدستورية ، لنصت عليها في صلب الدستور
الرأي الرابع :
يجرد مقدمة الدستور في كل ما تضمنته مبادئ من القيمة القانونية ويقر لها بالقيمة المعنوية و الأدبية فهي مجرد مبادئ توجيهية على المشرع أن يلتزم بها وان يدخل مضمونها في نصوص قانونية عادية غيرؤ ان هذا الالتزام يظل التزاما أدبيا ، فإذا امتنع المشرع عن ذلك أو خالف محتوى تلك المبادئ فانه لا يجوز التمسك بها قانونا في مواجهة السلطة العامة
الرأي الخامس :
لا يساوي بين جميع المبادئ والقواعد التي تضمنها مقدمة الدستور فمضمون هذا الرأي إنما يقوم على التمييز بين نوعين من الأحكام التي تنطوي عليها مقدمة الدستور وهما الأحكام الوضعية والقواعد المنهجية
- الأحكام الوضعية : وهي عبارة عن نصوص محددة تنتمي بمظهرها إلى وجوهرها إلى أحكام القانون
الوضعي فهي نصوص قانونية ملزمة بذاتها ويتعين تطبقها فورا شأنها في ذلك شأن نصوص القانون
الوضعي فإذا احتوت مقدمة الدستور على النصوص وضعية محددة تكون لهذه النصوص الصفة الإلزامية
التي تعادل قوة مواد الدستور ذاتها 0 وهي في ذات الوقت تمثل قيد على المشروع العادي باحترام ما
جاء فيها فهي تقرر مراكز قانونية يتعين احترامها 0
ومن أمثلة الأحكام الوضعية التي وردت في إعلان حقوق الإنسان و المواطن الفرنسي والذي أكدت الالتزام به مقدمة الدستور الفرنسي لعام 1946 والدستور الفرنسي لعام 1958 حيث نصت المادة العاشرة من الإعلان على إن لايضار احد بسبب أفكاره أو معتقداته وكذلك المادة السابعة عشر التي قررت (( وجوب التعويض العادل مقدما في حالة نزع الملكية أو الحرمان منها ))
- القواعد التوجيهية أو المنهجية : وهي عبارة عن نصوص غير محددة و تتجرد بذاتها من صفة
الإلزام الفوري فان الأفراد لا يستطيعون المطالبة بتطبيقها إذا يقتضي الأمر يتدخل المشرع كي يضع
مبادئها موضع التطبيق فيما يصدر من قوانين بحيث يتعين عليه احترامها عند قيامه بالتشريع فإذا اصدر
المشرع قانون يخالف هذه القواعد عُد هذا التشريع غير دستوري 0
ويلتزم المشرع إزاء النصوص التوجيهية أو المنهجية بالتزامين :
الالتزام الأول : وجوب تدخل المشرع لإصدار القوانين اللازمة لتنفيذ هذه النصوص
الالتزام الثاني : فيتمثل في وجوب إصدار المشرع لقوانين تتفق مع هذه النصوص ولا تخالفها بشكل
صريح أو ضمني 0
ومن أمثلة النصوص التوجيهية أن تتضمن مقدمة الدستور نص يقرر إن (( الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق )) وفي هذه الحالة لا يستطيع المشرع أن يصدر قانون يعترف فيه ببعض الحقوق للابن غير الشرعي وسوف يكون هذا القانون – إن صدر – مخالفا للدستور 0
ونتساءل أي الآراء الفقهية السابقة الذكر يعد الرأي الأرجح و الأوفق في تحديد القيمة القانونية لمقدمة الدستور ؟
نرى إن الرأي الراجح في الفقه يتجسد في الرأي الثاني كونه يمثل اتجاه توفيقي يعطي لمقدمة الدستور قيمة قانونية تساوي قيمة النصوص التي يتضمنها الدستور ذاته
ويستند هذا الاتجاه إلى ثلاث حجج:
- حجة تاريخية : تشير إلى أن إعلانات الحقوق الواردة في المقدمة كانت تعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور
- حجة واقعية : مستوحاة من الممارسة القضائية ، التي تساوي بين المقدمة ومتن الدستور من ناحية
القوة القانونية وتخضعها للرقابة على دستورية القوانين 0
- حجة قانونية : ترى في كل دستور نوعين من الدساتير : دستورا سياسيا يحدد نظام الحكم ودستورا
اجتماعيا يحدد أسس النظام الاجتماعي وحقوق المواطن والجماعات
يعزز هذا الاتجاه ما ذهبت إليه الجهات المختصة بالرقابة الدستورية حيث ذهب المجلس الدستوري في فرنسا في قرار صادر في 16/7/1991 إلى عدم دستورية القانون المعروض عليه لمخالفته لمقتضيات حرية تكوين الجمعيات التي نصت عليها مقدمة دستور عام 1946 واقرها وأحال إليها دستور عام 1958 وأكد المجلس الدستوري إن ديباجة الدستور الفرنسي (( تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الدستور ذاته )) وسار المجلس الدستوري في لبنان على ذات النهج وأضفى على ديباجة الدستور اللبناني قيمة دستورية شأنها في ذلك شأن أحكام الدستور نفسها
المحور الثاني
صلب الدستور
يتباين محتوى الوثائق الدستورية بما تضمنه من مبادئ وأحكام ولكن بالرغم من هذا التباين والاختلاف فهناك قواعد مشتركة تتضمنها وتشكل (( النواة الصلبة للدستور)) ويجري تبويب ، صلب ومتن الدستور إلى أقسام أو أبواب وكذلك إلى فصول أو مواد تحتوي المبادئ الأساسية للدولة وتتركز في الجانب السياسي إلى الجانب المتعلق بممارسة السلطة وكذلك الجوانب الأخرى الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية وغير ذلك ، وفي ضوء ماتقدم يمكن تحديد محتوى صلب ومتن الدستور بما يأتي
أولاً : القواعد المتعلقة بالدولة :
يشتمل الدستور على عدد من النصوص التي تتصل بالدولة في أساسها و تكوينها وشكلها وقواعد الدستور تبين طبيعة الدولة أي شكلها فتحدد ما إذا كانت دولة موحدة بسيطة او دولة مركبة اتحادية
ثانيا : القواعد المتعلقة بشؤون الحكم في الدولة :
تتضمن وثيقة الدستور بيان الأحكام و القواعد المنظمة لشؤون الحكم في الدولة ، وتبين شكل الحكم وما إذا كان ملكيا أو جمهورياً وطبيعة نظام الحكم السياسي ما إذا كان نظام تركيز السلطة أو نظام توزيع السلطة وكذلك ما إذا كان النظام السياسي رئاسيا أم برلمانياً أم مجلسياً أم مختلطاً 0
وتنظم القواعد الدستورية السلطة السياسية وتحدد مصدرها و كيفية ممارستها وانتقالها وتحدد تكوين السلطات العامة و العلاقة بينها حيث تشير قواعد الدستور إلى طرق تكوين السلطات العامة واختصاصاتها وحدود ممارستها لهذه الاختصاصات
ويتناول الدستور تنظيم السلطة التشريعية ويبين تشكيل البرلمان ( مجلس واحد – أم مجلسين ) وكيف تجري عملية اختيار أعضائه (الانتخاب – أم التعين ) ويحدد كذلك وظائفه في المجال التشريعي والمالي والرقابي 0
وبعد أن يتناول الدستور السلطة التشريعية فانه ينظم السلطة التنفيذية فيبين تكوينها واختصاصاتها وحدود تلك الاختصاصات والمسؤوليات ويحدد الدستور طريقة تولية رئيس الدولة ( الانتخاب – أم الوراثة ) واختصاصاته وكذلك الحال بالنسبة لتكوين الحكومة واختصاصاتها كما ينظم الدستور – عادة – العلاقة بين السلطتين : التشريعية و التنفيذية وهي علاقات تحظى بالتنظيم الدقيق حيث أن اخطر ما تواجهه الدولة هو النزاع بين هاتين السلطتين فهو نزاع قادر على تعطيل الحياة السياسية والدستورية للدولة و عرقلة أعمالها ويرسم الدستور – في الغالب – طرق ووسائل حل التنازع بين السلطتين 0
متى ما فرغ الدستور من ذلك فانه ينظم السلطة القضائية في فصل مستقل إبرازا لدورها كحصن للحقوق وملجأ للمواطنين وضامنا لحماية القواعد الدستورية في مواجهة السلطتين التشريعية و التنفيذية
ثالثا : القواعد المتعلقة بالفكرة القانونية المؤسسة للحكم في الدولة :
لا يكتفي الدستور بوصف آلية الحكم وإنما يُعين الاتجاه الذي تسير فيه وتعمل بموجبه انه يعين هدفا للسلطات العامة و الفكرة القانونية التي تسعى هذه السلطات لتحقيقها
ومن هذا المنطلق فان النصوص الدستورية التي تحدد الاتجاهات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية في الدولة تبين الأساس الفكري أو الفلسفي الذي تأسس عليه نظام الحكم في الدولة و ترسم الإطار الذي ينبغي إن تعمل في نطاقه السلطات العامة في الدولة
وتختلف الدساتير في كيفية بيان الفكرة القانونية حيث نجد إن بعض الدساتير تنص صراحة على الفكرة القانونية الغالبة في المجتمع السياسي الذي جاء الدستور لوصف نظامه ومن أمثلة ذلك الدستور الصيني لعام 1982 الذي ينص على انتقال المجتمع الصيني إلى مجتمع اشتراكي بمستوى عالي من الثقافة والديمقراطية
كما تضمن صلب الدستور على عدة نصوص توضح الاتجاهات الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية وتضمن الدستور التونسي لعام 1959 الفكرة القانونية المؤسسة للدستور حيث نص في ديباجته على ( إقامة ديمقراطية أساسها سيادة الشعب و قوامها نظام سياسي مستقر يرتكز على قاعدة الفصل بين السلطات ) وقد تضمن الدستور على عدة نصوص تحدد المذهب الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي 0
وأوضح الدستور الفرنسي السويسري لعام 1998 الأساس الفكري والفلسفي الذي يرتكز إليه فقد ورد في الديباجة التأكيد على ( تصميم الأقاليم السويسرية على تحديد التحالف لتقوية الحرية والديمقراطية و الاستقلال و السلام في التضامن و الانفتاح نحو العالم 00) وأوضحت نصوص الدستور الاتجاهات الاجتماعية و الاقتصادية والسياسية في الدولة 0
وقد لا تنص الدساتير صراحة على الفكرة القانونية المهيمنة على النظام و مع ذلك يمكن استنتاج هذه الفكرة بصورة ضمنية عن طريق تحليل طبيعة النشاط السياسي الذي جاء به الدستور و الغرض المقصود منه فعندما يخص الدستور الشعب ، بالقيام بمهام السلطة التشريعية مباشرة أو عن طريق ممثليه – مثلا – فانه يحدد بذلك فكرة قانونية تختلف تماما عما لو ركزت سلطة التشريع في فرد في نظام فردي مطلق أو كذلك عندما ينص الدستور على مبدأ ( عدم جواز عزل القضاة ) فانه يشير بذلك إلى فكرة قانونية تختلف عن تلك التي تضع مصير القضاة تحت رحمة السلطة التنفيذية
وصفوة القول إن كل دستور حينما يحدد النظام السياسي – أياً كانت طريقة ممارسة السلطة فيه فهو يتبنى فكرة قانونية أساسية هي منار التنظيم الاقتصادي و الاجتماعي فيه و المبدأ المرشد للنشاط السياسي في الدولة 0
رابعا : القواعد المنظمة لعلاقة الدولة بالفرد :
لا تتضمن الوثيقة الدستورية – في الغالب – قواعد تتعلق بتنظيم ممارسة السلطة فقط ، بل توجد بجانب هذه القواعد نصوص تتعلق بتنظيم علاقة الدولة بالفرد
وينظر لعلاقة لدولة بالفرد من زاويتين أساسيتين
الأولى : حقوق الفرد إزاء الدولة و الالتزامات المتولدة عنها والتي تقع على عاتق الدولة
الثانية :واجبات الفرد إزاء الدولة
ويلاحظ إن الدساتير قد أولت علاقة الدولة بالفرد اهتماما كبيرا وحرص واضعوا الدساتير على تضمينها عدد من النصوص تنظم حقوق الفرد إزاء الدولة كما تتضمن نصوص تنظم واجبات الفرد إزاء الدولة
(أ) حقوق الفرد إزاء الدولة :
يتمثل الجانب الأول لعلاقة الدولة بالفرد في حقوق الفرد ونجد إن المشرعين الدستورين قد ضمنوا الوثائق الدستورية نصوصا تقر وتعترف بتلك الحقوق وتحيطها بضمانات تكفل التمتع بها و ممارستها وتكفل حمايتها
وبشأن الأسلوب المتبع في تنظيم الحقوق فيلاحظ أن النصوص المتعلقة بها إما أن تتصدر وثيقة الدستور ، بشكل (( ديباجة أو مقدمة )) ( كما اشرنا سابقا ) أو إنها تكون جزاءا أو باباً من أبواب الوثيقة الدستورية
والاتجاه الأكثر شيوعا أن يرد تنظيم حقوق الفرد في متن وصلب وثيقة الدستور
قد تضمن دستور العراق لعام 1925 بابا كاملا ( الباب الأول ) خصصت معظم مواده لضمان الحقوق لفردية للمواطنين تحت اسم (( حقوق الشعب )) وسارت على هذا النوال بابا ( الباب الثاني ) بعنوان ((مصدر السلطات و الحقوق والواجبات العامة )) وتعلق عدد من مواده بتنظيم عدد من الحقوق
واحتوى الدستور اللبناني لعام 1926 فصلا ( الفصل الثاني ) بعنوان أللبنانين و حقوقهم وواجباتهم وشمل على عدة نصوص منظمة للحقوق المدنية و السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية
- خصص الدستور المصري لعام 1971 بابا ( الباب الثالث ) بعنوان ( الحريات و الحقوق والواجبات العامة ) وتضمن عدد من النصوص المنظمة للحقوق
- كما افرد الدستور الجزائري لعام 1996 فصلا كاملا ( الفصل الرابع ) بعنوان (الحقوق و الحريات)
- واحتوى الدستور السويسري لعم 1998 باباً ( الباب الثاني ) بعنوان الحقوق الأساسية و حقوق المواطنة و الأهداف الاجتماعية ) وتفرع الى ثلاث فصول ، تضمن الفصل الأول – الحقوق الأساسية – وتضمن الفصل الثاني – الجنسية وحقوق المواطنة و الحقوق الأساسية وأما الفصل الثالث – فتضمن الأهداف الاجتماعية
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول إن موضوع حقوق الإنسان يعد من الموضوعات التي تشترك بتنظيمها اغلب الدساتير 0 لذلك قيل إن المبادئ المنظمة للحقوق تعتبر من المبادئ الدستورية المشتركة بين الدساتير ومن ثم تعد بمثابة ( دستور دولي مشترك )
والملاحظ إن الدساتير تتباين وتختلف في تقسيمها للحقوق ونعتقد إن اختلاف التقسيمات الدستورية للحقوق يعتبر مسألة شكلية إذ إن تباين التقسيمات لا يؤثر في قيمة أو مضمون الحقوق الداخلة في إطارها 0
ويمكن تقسيم الحقوق التي تتضمنها الدساتير ، من حيث مدى التصاقها بالإنسان إلى ثلاثة مجموعات رئيسية :
- الحقوق المتعلقة بشخصية الإنسان : وتتضمن جميع الحقوق المتعلقة بكيان الإنسان و حياته وما يتفرع عنها وهي ، الحق في الحياة ، الحق في الكرامة ، والحق في الخصوصية ، و الحق في الأمن ، و الحق في التنقل ، و الحق في حرمة المسكن ، و الحق في سرية المراسلات 0
- الحقوق الخاصة بفكر الإنسان : وتحتوي على الحقوق التي يغلب عليها الطابع الفكري و العقلي للإنسان وتضم ، الحق في حرية العقيدة والعبادة ، و الحق في حرية الرأي ، و الحق في حرية التعليم ، و الحق في حرية الاجتماع ، والحق في حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها 0
- الحقوق المتصلة بنشاط الإنسان : و تتضمن الحقوق التي تتصل بنشاط الفرد و عمله وسعيه للحصول على ما يحقق له الحياة الكريمة وتشمل ، الحق بالعمل ، والحق في حرية النشاط التجاري
و الصناعي وغيره من أوجه النشاط والحق في الملكية
ويتضح مما تقدم إن الحقوق تفرض نوعين من الالتزامات تقع على عاتق الدولة
- الالتزامات السلبية : وتمثل في مجرد امتناع سلطات الدولة عن عمل وعدم التعرض للأفراد في نشاطهم المادي و المعنوي
- أما الالتزامات الايجابية : فهي التي تفرض على عاتق سلطات الدولة التزاما بعمل ، أي بان تنشط لتقدم لأفراد منافع مادية ومعنوية
ومن ثم كان من أهم الفوارق من الناحية الدستورية بين الالتزامات السليبة و الايجابية إن غاية المطلوب من سلطات الدولة في مجال الالتزامات السلبية هو أن تقف عند حدها ، فإذا تدخلت كان تدخلها محدوداً بالضرورة ،صيانة لمكانة المواطنين الآخرين 0
وعلى العكس من ذلك فغاية المطلوب من سلطات الدولة في مجال الالتزامات الايجابية هو أن تعاون وتعمل وكلما وسعت الدولة في عونها ارتفع المستوى الاجتماعي العام وخفت وطأة العوز والحرمان وعمت الرفاهية ، فالا حكام الدستورية الخاصة بالحقوق و التي تفرض التزامات سلبية تصاغ بحيث تحقق حماية الفرد من احتمال تعسف السلطات الحاكمة بينما الأحكام الدستورية الخاصة بالحقوق و التي تفرض التزامات ايجابية ، تصاغ بحيث تحقق معاونة السلطات الحاكمة لفرد في سبيل إسعاده فإذا نص الدستور – في باب الحقوق – على إن (( للمسكن حرمة )) فهذا يفيد انه ليست للسلطات الحاكمة شأن فيما يجري في المساكن وليس لها أن تقتحم على الأفراد مساكنهم ألا لضرورة قصوى وبسبب معلوم ، بإذن من القضاء ، والكمال هنا هو أن تقف السلطات موقفا سلبياً 0
أما إذا نص الدستور – في باب الحقوق – ( أو الالتزامات الايجابية )١ على أن يكون (( تكفل الدولة للمواطن السكن والغذاء والكساء والعلاج والتعليم )) فهذا يفيد للمواطن أن يطالب السلطات بالقيام بعمل ايجابي إلى أقصى حد ممكن 0
(ب) : واجبات الفرد إزاء الدولة
أن الجانب الثاني لعلاقة الدولة بالفرد يتعلق بواجبات الفرد ونجد في هذا الإطار أن الدساتير لم تقتصر على تنظيم الدساتير في معالجتها لواجبات الفرد من فكرة إيجاد التوازن السليم بين مصالح الفرد ومصالح الآخرين بالمتطلبات المعقولة للمجتمع 0
فليس الفرد متلقيا للحقوق فقط وإنما هو مخاطب أيضا بواجبات تترتب علية إزاء الأفراد الآخرين وإزاء المجتمع الذي ينتمي إليه والذي يتمكن فيه من تنميه ذاته روحيا وعقليا وجسمانيا 0
ومن كل ما تقدم يظهر بوضوح إن الفرد علية واجبات إزاء المجتمع ويتحدد حق كل فرد في الاضطلاع بهذه الواجبات بحقوق الآخرين وبالقوانين العادلة للدولة الديمقراطية0
ومن ابرز واجبات الفرد إزاء الدولة هي :
1-واجب الامتثال للقانون :
أن المراعاة الأمنية الدستورية والامتثال للقانون هي من الواجبات الأساسية للفرد وتتمثل المواطنة الصالحة في الامتثال والخضوع للأحكام الواردة في القوانين الصادرة عن السلطة المختصة في الدولة بما يحقق الصالح المشترك للجماعة 0
أن الامتثال للقانون يتطلب تنفيذ أحكامه وهذا التنفيذ يقتضي مجيء العلاقات التي قصد القانون تنظيمها بإحكامه مطابقة للمسار الذي حددته الأحكام القانونية لها بحيث إن إجراء أي من التصرفات الداخلية في احد جوانب العلاقات المحكومة بالتنظيم القانوني لا يعد صحيحا ومنتجا للإثارة إلا إذا جرى وفق ما تقرره القواعد القانونية 0
ويتضح مما تقدم إن واجب احترام القانون من جانب كل فرد هو واجب أساسي لسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان بحيث يتوجب على الفرد ان يمتثل للقانون ولغير ذلك من الأوامر والقرارات التي تصدرها سلطة أو الدولة التي يقيم فيها 0
ولكن التساؤل الذي يثار هو لأي قانون يكلف الفرد بواجب الامتثال والخضوع لأحكامه ؟
إن القانون الذي يتوجب على الفرد احترامه وتطبيقه هو القانون العادل الصالح الذي يحمي كل شخص دون تمييز من أي نوع ويكفل رفاهية المجتمع كما يرتكز هذا القانون على دستور ديمقراطي يضمن مبادئ العدالة والمساواة
2- واجب ممارسة الحقوق السياسية:
إن نصوص الدساتير حينما تقرر حق الترشيح وحق الانتخاب تضع حجر الأساس في حكم الدولة ويقابل هذه الحقوق واجب أساسي من واجبات المواطنة يتمثل في المشاركة في الحياة السياسية حيث إن الاشتراك في الحياة السياسية بالترشيح والتصويت واجب هام لإصلاح نظام الحكم وتحقيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وهكذا يكون واجب كل فرد إن ينتخب وان يرشح نفسه للانتخاب - إذا ما توفرت له الأهلية القانونية – عندما تكون الانتخابات حرة ونزيهة ودورية وتتم بالاقتراع العام المتعادل السري وتضمن للناخبين التعبير عن الحر عن إرادتهم وذلك لان الإسهام في الترشيح والتصويت يتعلق بمصير المجتمع الذي يتشكل وفقا لسياسات الحكومات على اختلاف مناهجها وسياساتها و على الفرد أن يؤدي واجبة في الإسهام بدورة في تقرير مصير مجتمعه من خلال صوته الانتخابي أو من خلال الترشيح0
3- واجب أداء التكاليف العامة
تتضمن بعض الدساتير ، في تنظيمها لواجبات الفرد إزاء الدولة ، نصوصا ، تقرر واجبات الفرد في أداء التكاليف العامة :
وتتجلى التكاليف العامة في مجالين رئيسين :
- الأعباء العسكرية
- الأعباء المالية
- واجبات أداء الأعباء العسكرية :
تتمثل الأعباء العسكرية ، في أداء الخدمة العسكرية ، التي يعد أدائها واجب وطني على كل فرد لحماية الوطن والدفاع عنه .
ومن المبادئ المقررة في هذا المجال ، مبدأ المساواة أمام الأعباء العسكرية .
ويقصد في المساواة في هذا الميدان ، أن تكون المساواة عامة وشخصية ، أي انه لا يجوز أن يحل شخص آخر ، محل الشخص المطلوب تجنيده من ناحية ، وان تتساوى مدة أداء الخدمة العسكرية لجميع الأفراد كقاعدة عامة من ناحية أخرى .
- واجب أداء الأعباء المالية
تشمل الأعباء المالية ، الضرائب والرسوم ، وجميع الأعباء ذات الطبيعة المالية ، التي تفرض على الأفراد ، إلا إن الضرائب تعتبر أكثر هذه المصادر أهمية على الإطلاق .
ولهذا ، فان مسألة فرض الضرائب ، تحظى بأهمية كبيرة في كل دولة ، لأنه من الضروري أن تحصل الدولة عليها من المكلفين بطريقة عادلة .
وكان من الطبيعي إن تلتقي المساواة أمام الضرائب مع هدف كل نظام ضريبي ، وهو تحقيق ، العدالة الضريبية . كما انه من المؤكد إن المساواة ، تعتبر العامل الأول في تحقيق حياة الضريبة .
ويعتبر دفع الضرائب ، واجب وطني على كل فرد ، لان حصول الدولة على موارد مالية لتنهض بمسؤوليتها وتؤدي خدماتها للجميع يعتبر مسألة حيوية للغاية .
ويحكم واجب أداء الضرائب ، مبدأين أساسيين :
المبدأ الأول : هو مبدأ مشروعية أو قانونية الضريبة ويعني هذا المبدأ ، انه لا ضريبة بدون قانون أو بناء
على قانون.
أما المبدأ الثاني : فهو مبدأ عالمية الضريبة ، والذي يعني انطباقها على جميع الأفراد ، المواطن والأجانب
ما داموا يعيشون فوق إقليم الدولة ، وعلى جميع الأموال الموجودة في الدولة .
خامسا : القواعد المعلقة بالأحكام العامة والانتقالية
إن آخر ما يتناوله الدستور – في الغالب – هو بعض القواعد التي تشمل على الأحكام العامة التي لم تندرج . فيما سبق من بنوده . ويرسم الدستور كيفية تعديله ، والجهات المخولة بمباشرة هذا التعديل .
ومن هذه الأحكام ، يمكن التعرف على طبيعة الدستور ، عما إذا كان دستورا جامداً أو مرناً . كما يتناول الدستور في بابه الختامي ، الأحكام الانتقالية التي ترتب المرحلة ، ما بين صدوره ونفاذه والسلطات التي تتولى إلى حين هذا النفاذ أمر الإشراف على مرحلة زمنية محددة
المبحث الثاني
الرقابة على دستورية القوانين
( ضمان مبدأ سمو الدستور )
تبقى القواعد الدستورية مجرد مبادئ نظرية أن لم تؤمن لها الحماية و الاحترام ، فالتأكيد النظري لسمو الدستور غير كافي لوحده لضمان هذا السمو و العلو إذ لا بد من وسائل عملية تحمي هذا العلو وتعمل على تأكيده بشكل فعلي 0
فأهمية الدستور لا تأتي من مجرد وجوده ، وإنما تكمن في تنفيذه فلا معنى لسمو الدستور إذا جاز لأجهزة الدولة وسلطاتها أن تنتهك نصوصه دون ثمة جزاء ومن هنا كان البحث عن وسيلة تكفل تحقيق مبدأ سمو وأعلوية الدستور 0
وتعد الرقابة الدستورية من أهم الوسائل التي يمكن أن تحقق ذلك 0 لاعتبار أن هذه الرقابة مؤداها التزام جميع السلطات – بما فيها السلطة التشريعية – بمراعاة الحدود الدستورية ، وعدم الخروج عن الإطار القانوني للجماعة السياسية 0
- معنى الرقابة على دستورية القوانين :
يقصد بالرقابة على دستورية القوانين ، إخضاع القانون الصادر عن السلطة التشريعية ، لنوع من الرقابة من قبل جهاز مستقل ، للتأكد من مدى مطابقة و موافقة هذا القانون ، للمبادئ الواردة في الدستور 0 يركز مفهوم الرقابة ، إذن على كون الدستور هو قانون الدولة الأسمى وأن القواعد الواردة فيه هي الأعلى مرتبة ويتوجب على كل السلطات في الدولة احترامها و العمل بموجبها بما في ذلك السلطة التشريعية 0
وفي ضوء ما تقدم يمكن القول بأن وجود جهة تتولى رقابة دستورية للقوانين ويمثل ضمانة هامة للحقوق التي تقررت في صلب الوثيقة الدستورية أو في ديباجتها 0 ذلك لأن الغرض من هذه الرقابة يتمثل فيمنع مخالفة القانون للدستور ، أو الانحراف في استعمال السلطة التشريعية
- مضمون الرقابة على دستورية القوانين :
يتحدد مضمون الرقابة الدستورية في وجوب التفرقة بين الدستور والقوانين العادية واعتبار الدستور القانون الأساسي الأعلى في الدولة ، ومن ثم وجوب توافق أحكام القوانين العادية لأحكام الدستور حيث يتعين على القوانين العادية أن تسير في فلك و دائرة أحكام الدستور بأن توافقها و تلتزمها فلا تخالفها أو تحيد عنها 0
وموضوع الرقابة على دستورية القوانين لا يثار في ظل الدستور المرن ذلك لأن الدستور المرن لا يتمتع بأي سمو شكلي على القوانين العادية فلو خالف القانون العادي الدستور المرن فهذه المخالفة لاتعتبر انتهاك للدستور ، بل تعتبر تعديل للدستور المرن 0 ولكن موضوع الرقابة الدستورية يثار في ظل الدستور الجامد و السبب هو أن الدستور الجامد يتمتع بسمو شكلي على القوانين العادية ويتطلب لتعديله إجراءات خاصة وتختلف عن إجراءات تعديل القوانين العادية وفي هذه الحالة فقط يمكن أن تحدث مشكلة دستورية إذا أصدرت السلطة التشريعية قانون يتعارض مع أحكام الدستور 0
و الرقابة على دستورية القوانين تثور بشأن مخالفة القانون العادي، لأحكام الدستور الجامد من حيث الموضوع لا من حيث الشكل ذلك أن الرقابة دستورية القوانين تقتصر على مدى مطابقة القانون للدستور من الجانب الموضوعي (المادي) دون الجانب الشكلي فالقانون إذا صدر مخالفا للشكل الذي حدده الدستور لإصداره فأن في هذه الحالة (أي حالة المخالفة الشكلية للدستور) لا يعتبر القانون قانونا بل يعتبر في حكم العدم ، وتتضمن بعض الدساتير نص صريح يقرر بطلان القوانين التي تصدر مخالفة لا حكام الدستور١ 0
غير أن عدم ورود نص في الدستور يقرر هذا البطلان ، لايؤثر في اعتبار تلك القوانين باطلة ذلك أن البطلان يكون نتيجة حتمية لجمود الدستور ، دون حاجة للنص عليه بصراحة 0
- أساليب الرقابة الدستورية
إذا كان من المسلم به اعتبار القانون الذي يتعارض مع أحكام الدستور باطلا فأنه يثار التساؤل حول الجهة التي يحق لها الحكم بأن قانونا ما جاء مخالفا للدستور أم موافقا له ، ثم كيف تفرض هذه الجهة حكمها في هذا الشأن ؟
اختلفت الدساتير فيما جاءت به من حلول فبعض الدساتير تبنت نظام الرقابة السياسية ، بينما أخذت بعض الدساتير بنظام الرقابة القضائية
أولا : الرقابة السياسية على دستورية القوانين ( ألرقابة اللاقضائية )
يقصد بالرقابة السياسية على دستورية القوانين أن تتولى هيئة ذات صفة سياسية حق الرقابة الدستورية ، بحيث تختص في فحص القوانين والتحقق من مدى مطابقتها لأحكام الدستور
و الرقابة بواسطة هيئة سياسية ، رقابة سابقة على إصدار القانون إلا بعد إصداره ، حيث تنصب على التحقق فيما إذا كان مشروع القانون يخالف أو يناقض الدستور فالرقابة السياسية تمارس إذن على القانون وهو في مرحلة التحضير أي أنها تتم بعد تقرير القانون من البرلمان وقبل إصداره من رئيس الدولة بناء عليه فأن الرقابة السياسية هي رقابة وقائية بمعنى أنها تهدف إلى اتقاء اللادستورية قبل وقوعها لأنها تمارس على القانون المزمع إصداره وبذلك فهي تحول دون إصدار القانون المخالف لأحكام الدستور 0
ويختلف تشكيل الهيئة السياسية تبعا للكيفية التي ينظم بها الدستور هذا النوع من الرقابة فقد يتم تشكيل الهيئة السياسية أما عن طريق التعيين من جانب السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية وأما عن طريق الانتخاب من جانب الشعب وقد يتم تكوينها عن طريق الاختيار الذاتي ، أي اختيار تلك الهيئة لأعضائها بذاتها 0
هذا وقد أخذت دول عديدة بالرقابة السياسية على دستورية القوانين ولكن صور الرقابة في هذه الدول تختلف من دستور إلى آخر : يمكن في هذا الصدد تمييز ثلاثة اتجاهات :
الاتجاه الأول : جعل الرقابة من اختصاص رئيس الدولة أو رئيس المجلس النيابي :
وقد اخذ بهذا الاتجاه الدستور البرازيلي لعام 1937 حيث نص على حق رئيس الجمهورية في الاعتراض على مشروعات القوانين لعدم دستوريتها 0
أما الدستور السويدي لعام 1806 فقد عهد بهذا الاختصاص إلى رئيس المجلس النيابي ، حيث خوله منع التصويت على مشروع قانون يتضح له انه غير دستوري 0
الاتجاه الثاني : أناط الرقابة الدستورية بالسلطة التشريعية ذاتها
وقد تبنى هذا الاتجاه الدستور البلغاري لعام 1947 حيث نص على اختصاص السلطة التشريعية وحدها بحق البت فيما إذا كانت الشروط التي يتطلبها الدستور قد روعيت عند إصدار القانون وفيما إذا كان هذا القانون دستوريا 0
أما الدستور الصيني لعام 1954 فقد نص على اختصاص الجمعية الصينية لنواب الشعب بالرقابة على تطبيق الدستور أي الرقابة على تطبيق الدستور أي الرقابة على دستورية القوانين 0
كما نص الدستور السوفيتي لعام 1977 في المادة (121) منه على أن هيئة رئاسة السوفيت الأعلى تمارس الرقابة على التقييد بدستور الاتحاد السوفيتي وتؤمن اتفاق دساتير و قوانين الجمهوريات المتحدة مع دستور و قوانين الاتحاد السوفيتي 0
الاتجاه الثالث : عهد بمهمة الرقابة على دستورية القوانين إلى هيئة خاصة :
ولقد اخذ بهذا الاتجاه دستور الجمهورية الرابعة الفرنسي ( دستور عام 1946) الذي نص على أن تتولى فحص دستورية القوانين هيئة تسمى (اللجنة الدستورية) وأنتهج ذات النهج دس