تحديات كبيرة تطرحها الثورة الرقمية
كيف يحافظ المجتمع المدني على الملكية الفكرية الرقمية؟
الثورة الرقمية تضع تحديات كبيرة أمام المجتمعات العربية مما يتطلب دورا جهدا كبيرا منها في الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية في البيئة الرقمية.
ميدل ايست اونلاين
بقلم: حسام عبد القادر
لقد أتاحت الحرية المطلقة على الإنترنت سهولة إصدار أي فرد في أي مكان في العالم لأي موقع يكتب فيه ما يريد ويهاجم فيه أي شخص سواء كان فرداً أو جماعة رسمية أو غير رسمية، أو أن يصدر موقعاً يطلق عليه صحيفة أو جريدة، وينشر عليها مواد منقولة من أي مصدر أو مرسلة من أي قارئ، دون التأكد من مصدرها، ودون أي ضوابط للنشر نعرفها نحن ككتاب ونلتزم بها.
بل إنه في الوقت الذي انتشرت فيه المطالبة بحقوق الملكية الفكرية نجد هذه الحقوق تهدر بسهولة من خلال مواقع الإنترنت التي تقوم بالاستيلاء على مواد صفحاتها من أي موقع آخر أو من صحيفة مطبوعة لا فرق دون أية مراعاة للملكية الفكرية التي يتحدث عنها العالم، ليس هذا فقط بل إن بعض المواقع التي تعد مواقع كبرى تقوم باستلام المادة من المراسلين وتنشرها دون أي مقابل مادي، بدعوى أنه لا يوجد ميزانية للدفع مقابل المواد المنشورة، رغم أن بعض هذه المواقع مدعمة بشكل كاف، ولكنها تستغل أيضا تعطش البعض ورغبته في نشر مواد مكتوبة باسمه لا يتمكن من نشرها في صحف مطبوعة.
من أجل هذا تأتى أهمية البحث والدراسة حول حقوق الملكية الفكرية على شبكة الإنترنت فى ظل ثورة هائلة فى النشر الإلكتروني على مستوى العالم، بدأت هذه الثورة دون أى ضوابط أو مراعاة لقوانين فخرجت عشوائية إلى حد كبير تحتاج إلى من ينظمها ويقننها، خاصة فى ظل نظام دولي جديد يعتمد على التطور والسيطرة والسلطة، ويجب فى ظل هذا النظام أن يكون للمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية دوراً كبيراً فى إدارة هذا التنظيم وتقنينها ولذلك رأينا فى اتحاد كتاب الإنترنت العرب أن يكون من أهم الأهداف الرئيسية هو الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية على شبكة الإنترنت وذلك من خلال آليات محددة نعرضها على كل الحكومات العربية لمحاولة سنها فى قوانين نتفق عليها جميعاً من أجل المصلحة العامة.
الملكية الفكرية..نظرة تاريخية:
الملكية الفكرية حسب ما عرفها المركز المصري للملكية الفكرية وتكنولوجيا المعلومات هي كل ما ينتجه ويبدعه العقل والذهن الإنساني، فهي الأفكار التي تتحول أو تتجسد في أشكال ملموسة يمكن حمايتها، وتتمثل فى الإبداعات الفكرية والعقلية، والابتكارات مثل الاختراعات والعلامات والرسوم والنماذج وتصميمات الدوائر المتكاملة والسلالات النباتية وحقوق المؤلفين. ويهدف نظام حماية حقوق الملكية الفكرية إلي تنمية البحث والتطوير وذلك بتقديم حوافز للاستثمار في العملية الإبداعية وتشجيع الوصول إلي الابتكارات.
أما منظمة التجارة العالمية فتعرف حقوق الملكية الفكرية على أنها الحقوق التي تعطى للبشر على منتجات إبداعاتهم الذهنية. وغالبًا ما تعطى للمبدع حقوق شاملة على استخدام منتجات إبداعه لمدة زمنية محددة.
والاهتمام بالملكية الفكرية ليس حديثا كما قد يبدو للبعض، فلقد بدأ هذا الاهتمام مع الثورة الصناعية الأولى بأوروبا، حيث تعددت الابتكارات والإبداعات التي ساهمت بشكل فعال في النمو الاقتصادي في البلدان الصناعية الكبرى.
ويعتبر مصطلح الملكية الفكرية مصطلحا قانونيا يستخدم بشكل شائع للإشارة إلى مجموعة من الحقوق التي تمنحها أشكال الملكية الفكرية التالية وهذه الأشكال صنفتها المنظمة العالمية لحماية حقوق الملكية الفكرية (الويبو wipo ) كالتالي: حقوق المؤلف والحقوق ذات الصلة، والبراءات، والأسرار التجارية، والعلامات التجارية، والمنافسة غير المشروعة، والدوائر المتكاملة، والتصاميم الصناعية، والأصناف الجديدة من النباتات، ويتم تقسيم حقوق الملكية الفكرية إلى قسمين رئيسيين: أولهما يتعلق بما يمكن أن يسمى حقوق الطبع والنسخ، إذ تعطى هذه الحقوق لمؤلفي الأعمال الأدبية (الكتب والأعمال المكتوبة عمومًا) والأعمال الفنية (التأليف الموسيقي، والفن التشكيلي، وفن الخط، وبرامج الكمبيوتر والأفلام)، وحقوق الأداء بالنسبة للمبدعين (كالموسيقيين والمطربين والممثلين)، والمنتجين للأسطوانات والشرائط المسجلة والمنظمات الإذاعية.
أما القسم الثاني وهو المتعلق بالملكية الصناعية، ويتضمن هذا القسم حماية العلامات المميزة مثل العلامات التجارية، والمؤثرات الجغرافية؛ أي حماية السلعة المنتَجة في مكان محدد، حينما يكون لهذا المكان أثر في نوعية السلعة المنتَجة (كتمييز الأرز البسمتي عن بقية أنواع الأرز على سبيل المثال)، كما يتضمن حماية الملكية الصناعية بهدف رئيسي هو حفز الابتكار، وتصميم وإبداع التكنولوجيا. وفي هذا القسم تكون الحماية متوفرة للاختراعات المحمية ببراءات اختراع والتصميم الصناعي والأسرار التجارية.
كما تمنح حقوق الملكية الفكرية للأشخاص لإبداعاتهم الفكرية حيث تقدم للمبدع حقا حصريا من أجل استعمال والاستفادة من إبداعاته/ابداعتها لفترة زمنية معينة وهو ما يهمنا فى موضوعنا، فبموجب اتفاقية بيرن لحماية المصنفات الأدبية والفنية يتم حماية المصنفات فإنه يتم حماية تلك المصنفات دون أية شكليات في كافة الدول الأطراف بتلك الاتفاقية. ويعني ذلك أن حماية حق المؤلف الدولية تلقائية وتكون قائمة حالما يتم إبداع العمل وينطبق هذا المبدأ في كافة الدول الأطراف في اتفاقية بيرن.
والمواد التي تتضمنها اتفاقية منظمة التجارة العالمية التي تسمى "اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة" والتي يشار إليها اختصارًا بـ"التريبس" Trade Related aspects of Intellectual Property Rights “TRIPS” تهدف إلى حماية حقوق الطبع والحقوق المرتبطة بها، وحماية العلامات التجارية، والمؤثرات الجغرافية، والتصميمات الصناعية، وبراءات الاختراع، والتصميمات الأولية للدوائر المتكاملة، وحماية المعلومات المتعلقة بالأسرار التجارية.
الجدير بالذكر أنه بمجرد توقيع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية على اتفاق جولة أورجواي الذي أسس لمنظمة التجارة العالمية، وهي الجولة التي انتهت في عام 1994 تصبح موافقة -في نفس الوقت- على الاتفاقات الخاصة بحقوق الملكية الفكرية، حيث إن الاتفاقية قد وضعت بمنطق التوقيع الواحد المجمل، أي لا يمكن التوقيع على نتائج الجولة، وفي نفس الوقت يتم التنصل من أي من الاتفاقات التي تضمنتها.
والحقيقة أنه من البداية كانت الولايات المتحدة تضغط بشدة من أجل إدراج موضوع حقوق الملكية الفكرية ضمن اتفاقات منظمة التجارة العالمية، فرغم أنه كان هناك ما يسمى باتفاقية باريس لحقوق الملكية الفكرية الصناعية، واتفاقية برن في سويسرا التي تُعنى بقضية حقوق الطبع والنسخ، فإنهما لم تكونا ترضيان تطلعات الولايات المتحدة، لأن اتفاقاتهما ليست شاملة كاتفاقات جولة أورجواي، كما أنها ليس لها نفس صفة الإلزام التي تمتلكها منظمة التجارة العالمية حاليا في هذا المجال.
وكانت الولايات المتحدة والدول المتقدمة قد ضمنت اتفاقيتي باريس وبرن ضمن اتفاق جولة أوروجواي بحيث أصبحتا جزءًا لا يتجزأ من الاتفاقات المتعلقة بالموضوع في إطار منظمة التجارة العالمية.
ويفسر هذه الضغوط الأميركية واستغلال الاتفاق لتعديل القوانين في العديد من بلدان العالم، ومن ضمنها بعض القوى التجارية الكبرى في العالم كالصين أن الولايات المتحدة تمتلك قدرة تنافسية كبيرة في مجال الصادرات من الخدمات المستندة للإبداع التكنولوجي والفكري والفني، مقارنة بعجزها الدائم والمزمن في التجارة السلعية؛ حيث نجد أن عجز الميزان التجاري (أي التجارة في مجال السلع: الصادرات السلعية - الواردات السلعية) هو عجز كبير ومتزايد، ويأخذ صفة العجز المزمن منذ سنوات طويلة.
بينما على الطرف الآخر نجد أن الصادرات الأميركية من الخدمات -خاصة من صادرات برامج الكومبيوتر والأفلام السينمائية والمسلسلات والبرامج التليفزيونية، وما تحصل عليه الشركات الأميركية من عوائد مقابل إعطاء تراخيص المعرفة الفنية وتراخيص حق إنتاج بعض السلع والخدمات في بلدان العالم الأخرى- تزيد عن المدفوعات التي تقوم بها الولايات المتحدة من جراء وارداتها من الخدمات.
ولذلك نجد أن العجز الكبير في الميزان التجاري (تجارة السلع) ينخفض إلى حد ما بسبب الفائض في تجارة الخدمات، وبحيث ينخفض العجز في الميزان الجاري (التجارة في السلع والخدمات) عن العجز في الميزان التجاري. والواقع أنه كما سبق القول فإن هذا الاتجاه السابق يُعد اتجاها تاريخيا في تجارة الولايات المتحدة مع دول العالم المختلفة منذ فترة طويلة من الوقت.
ويجب أن نلفت النظر إلى ظهور مشروع القانون الفرنسي فى ديسمبر 2005، بعد توصيات المجلس الأوروبي التي نادت بوجود مثل هذا القانون والتي ترجع إلى عام 2001 واهتم القانون بحماية حقوق المؤلف على الإنترنت خاصة في ظل سهولة نشر المؤلفات -سواء كانت مؤلفات أدبية أو غنائية أو سينمائية- على مواقع الإنترنت المختلفة، وإمكانية استغلالها بسهولة من قبل مستخدمي الإنترنت.
ولذلك قام المشرع بمنع عمليات التبادل غير القانوني عن طريق فرض أنظمة الحماية الرقمية "DRM" والتي تعطي للجهاز الذي يقوم بتنزيل الملفات من الإنترنت كودا معينا يسمح بفتح هذه الملفات على هذا الجهاز فقط. كما سمح بوجود هذه الأنظمة التقنية في الـ CDs والـDVDs مما يحميها من أي عملية نسخ، ولكن أعضاء البرلمان الفرنسي انتبهوا لما تمثله هذه الأنظمة من انتهاك لحقوق المستهلكين، خاصة إذا كانت هذه الأنظمة لا تعمل إلا مع بعض الأجهزة فقط؛ ولذلك قاموا بتعديل هذه المادة مما يسمح بإمكانية تشغيل هذه الـ CDs على جميع الأجهزة حفاظًا على حقوق المستهلك، كما قاموا بإدخال تعديلات أخرى حتى لا تتعارض هذه الأنظمة مع أمن الأفراد أو الشركات.
ولكي يحقق أي قانون الحماية المرجوة منه فلابد من وجود عقوبات مادية أو معنوية لمن يتعدون حدوده، وفي بداية نقاش مشروع القانون كان يلزم من ينتهكونه بغرامة تصل إلى 300 ألف يورو وثلاث سنوات حبسا، إلا أن باتريك بلوش، عضو الحزب الاشتراكي الفرنسي قد هاجم هذه العقوبة بشدة أثناء حواره مع مجلة "بدائل اقتصادية" (Alternatives Economiques)، واعتبرها مغالاة من الحكومة خاصة، وأن مشروع القانون آنذاك لم يفرض ملاءمة أنظمة الحماية الرقمية لجميع أجهزة الاستماع.
وعندما أقر القانون في البرلمان الفرنسي تم تخفيف العقوبة وتدريج الغرامات المدفوعة، واقتصرت هذه العقوبة المشددة على الناشرين لبرامج تبادل المؤلفات وتتدرج الغرامة إلى أن تصل إلى 38 يورو لمن يقوم بإنزال ملفات محمية من الإنترنت دون وجه حق، وترتفع إلى 150 يورو إذا أتاح تلك الملفات للغير، وقد أثار حق المستهلك في نسخ الـCD الشخصية الخاصة به، جدلا كبيرا بين أعضاء البرلمان أثناء مناقشة هذا القانون، حيث اعتبر بعض أعضاء الحزب الاشتراكي وحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية أنظمة الحماية الرقمية انتهاكا واضحا لحقوق المستهلك في الاستمتاع بملكيته للسلعة.
وأثناء التصويت على القانون وافق الأعضاء على حصول المستهلك على حق النسخ، ولكنهم لم يحددوا الحد الأدنى للنسخ، وعلى مجال التطبيق فتبقى المشكلة قائمة، حيث لا تسمح أنظمة الحماية بنسخ الأسطوانات.
أما الـDVD الخاص بالمؤلفات السينمائية، فقد تم رفض عمل أي نسخة شخصية لها ويهاجم عضو الحزب الاشتراكي، ديدييه ماتيوس هذا قائلا: إننا نسدد ضريبة للحصول على النسخة الشخصية وفي نفس الوقت لا يمكننا ممارسة حق نسخها!
وفي النهاية، يبقى القانون عالقا حتى تتم الموافقة عليه من قبل مجلس الشيوخ، وإذا اختلف على بعض المواد يتحتم إعادة مناقشتها بين ممثلي كل من مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية حتى يتوصلوا إلى حل وسط ومناسب.
وسوف يكون لهذا القانون تأثيراً هاماً على الدول النامية فعلى المستوى الثقافي في الدول النامية، سيؤثر بشكل قوى خاصة أن الكتب والمواقع الفرنسية تعتبر مرجعا ثقافيا مهما لطبقة المفكرين والباحثين في المجالات القانونية والسياسية وغيرهما. وسيكون تأثيرها أوضح على دول شمال إفريقيا كالجزائر وتونس والمغرب، وذلك للارتباط الثقافي والفني بين فرنسا وتلك الدول، بالإضافة إلى محدودية الموارد بتلك الدول والتي تعوق المستهلك فيها عن شراء المؤلفات التي يحتاجها من الإنترنت، أما بالنسبة لباقي الدول العربية فسوف يؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى توجهها إلى مصادر أخرى للثقافة، وإن كانت محدودة وليست بنفس العمق الثقافي والحضاري لفرنسا وسيزيد هذا التوجه إذا عمم هذا القانون على باقي دول الاتحاد الأوروبي.
الرخص البديلة:
وبخصوص حماية الملكية الفكرية ودور المجتمع المدني فهناك منظمة غير حكومية أوروبية هى منظمة "كرييتيف كومونز" من أجل العمل على وضع رخص بديلة للأعمال والمنتجات الإبداعية, فتقوم هذه المنظمة بأخذ الموقف الوسط بين من ينادى بالتراخيص الجامدة المغلقة, وبين من يطالب بعدم وجود أى ترخيص لأى عمل أو منتج إبداعي. فهى إذن لديها تراخيص خاصة يمكن لصاحب أو صاحبة المنتج أن يختار\ تحتار الترخيص الذى يريده\ تريده.
وقد بدأ هذا المشروع أستاذ بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة الأميركية اسمه "لورانس ليسيتنج" فى نهايات عام 2001 ثم بدأ الإعلان عن أولى التراخيص فى نهايات عام. وقد شارك فى المشروع العديد من أساتذة الجامعات المتخصصين فى قوانين الملكية العامة والملكية الفكرية وكذلك المهتمين بشئون الإنترنت، وقد أصبحت الآن واسعة الإنتشار فى شتى دول العالم وبخاصة بين مستخدمى الإنترنت.
أعتقد أن المجتمع المدنى بشكل عام فى حاجة لمثل هذه الرخص لأنه يقوم ينشر تنمية وحقوق إنسان والهدف هو التعميم وليس التخصيص, وبالتالى فهي فى رأيي أنسب رخصة له، وتوجد الآن مبادرات كثيرة لترجمة هذه الرخص إلى العديد من لغات العالم ومنها اللغة العربية.
النشر الإلكترونى:
يعرف أشرف صلاح الدين مؤلف كتاب "الإنترنت عالم متغير" النشر الإلكتروني بأنه العملية التي يتم من خلالها تقديم الوسائط المطبوعة (Printed-Based Materials) كالكتب والأبحاث العلمية بصيغة يمكن استقبالها وقراءتها عبر شبكة الإنترنت أو الوسائط المتعددة حيث تتميز هذه الصيغة بأنها مضغوطة ومدعومة بوسائط وأدوات كالأصوات والرسوم ونقاط التوصيل التي تربط القارئ بمعلومات فرعية أو بمواقع على شبكة الإنترنت.
ولكنى أرى أن النشر الإلكترونى ليس فقط تحويل الوسائط المطبوعة إلى وسائط رقمية ولكنه أيضاً التأليف المباشر على شبكة المعلومات (الإنترنت) أو إخراج كتاب أو مطبوعة فى صورة اسطوانة ممغنطة مباشرة، فبعد انتشار الإنترنت أصبح هناك آلاف من المؤلفين والباحثين والمبدعين فى كافة المجالات أتاحت شبكة المعلومات الفرصة لهم لإخراج إبداعاتهم ونشرها دون الحاجة لوسيط مطبوع أو لناشر يطلب منهم شروطاً معينة لنشر هذه الإبداعات، فمن مزايا النشر الإلكتروني في عدم وجود تكاليف متعلقة بالطبع والتوزيع والشحن، الأمر الذي يغير المبدأ التقليدي عند الناشرين، فبدلا من مبدأ "اطبع ثم وزع" حل مبدأ "وزع ثم اجعل المستخدم يطبع".
بل وصل الأمر ببعض المؤلفين المتمكنين من التقنيات الحديثة إلى استغلال مزايا هذه التقنيات مثلما فعل الكاتب الأردنى الدكتور محمد سناجلة رئيس اتحاد كتاب الإنترنت العرب عندما أخرج روايتان وقصة حتى الآن على الإنترنت قدم فيهما تقنية الإنترنت من خلال الوصلات واستخدام برنامج الفلاش الرواية الأولى هى "ظلال الواحد" والثانية هى "شات"، ثم أخيراً قصة "صقيع"، فمن مزايا النشر الإلكتروني التفاعلية من خلال استخدام ما يعرف بنقاط التوصيل (hyperlinks) التي تزود القارئ بمعلومات إضافية قد لا تكون أساسية في النص غير أنها متعلقة به، وكذلك سهولة البحث عن المعلومات وسهولة تعديل وتنقيح المادة المنشورة إلكترونيا، ويعتبر سناجلة حتى الآن هو الكاتب العربي الوحيد الذى استغل هذه الإمكانيات بشكل كامل، وقد أكد سناجلة فى لقاءات عديدة له أنه يتمنى أن يتخذ مؤلفون آخرون هذا المنهج ويحاولون تقديم أنواعاً متعددة من الأدب من خلال هذه النظرية وباستخدام هذه التقنية، ونحن فى انتظار أن يتفاعل الأدباء العرب لينافسوا سناجلة فى هذا المجال.
وعلى المستوى العالمى قرأنا أخيراً عن رواية "مليون بنغوين A Million Penguins " أول رواية أدبية يحررها مستخدموا الإنترنت باللغة الإنجليزية وهى الرواية التى تعرضها «كتب بنغوين» إحدى كبريات دور النشر في بريطانيا على الانترنت، وقد افتتحت دار النشر البريطانية موقعا لها على الانترنت وزودته ببرامج (ويكي Wiki) اللازمة، التي تسمح لأي مستخدم بالدخول الى الرواية وقراءة فصولها، وكتابة او تحرير أي موضع في الرواية الجماعية، ووضعت الدار الرواية على موقع www.amilliompenguins.com وظهر أن الرواية دخلت فعلا في فصلها السابع، وقت كتابة هذا الكلام، ووصل عدد الكلمات فيها الى أكثر من 9 آلاف كلمة، وتتحدث الرواية عن قصة خيالية تدور حول أحد المديرين في ميدان تقنية المعلومات في فنلندا، يستقيل من منصبه ويترك عمله كي يتجول عبر القارة الاوروبية وفي الهند، إلا أنه يظل متواصلا مع أصدقائه وأقربائه عبر الرسائل النصية التي يبعثها بهاتفه الجوال.
إلا أن أهم عيب فى النشر الإلكترونى حتى الآن تمنع البعض من عدم اللجوء لهذه الوسيلة هو عدم وجود حماية كافية للمواد المنشورة إلكترونيا، والخوف من النسخ غير المشروع وكذلك حقوق المؤلفين الفكرية، الطريف أن بعض المؤلفين المتحمسين للنشر الإلكترونى أكدوا أن سرقة حقوقهم الفكرية تتم بشكل أو بآخر حتى فى الكتب المطبوعة فهناك جدال دائم مستمر بين الناشر والمؤلف حول حقوق الثاني وأن الناشر لا يلتزم ببنود العقد من حيث عدد النسخ وأماكن التوزيع، وبالتالى فيكتفى البعض من المؤلفين بميزة نشر إبداعه على نطاق واسع غير مهتماً بما قد يتعرض له من سرقات أو عدم حماية حقوق الملكية الفكرية له.
دور المجتمع المدنى
ومن هنا تأتى أهمية وجود كيانات عربية لحماية هذه الحقوق بشكل منظم وهذا العبء لابد أن يقع على عاتق المجتمع المدني العربي فهو دوره ولابد أن يؤدي من خلاله، وقد نبه إلى هذا الدكتور رأفت رضوان مدير معهد تكنولوجيا المعلومات التابع لمجلس الوزراء المصرى سابقاً والأمين العام للاتحاد العربى لتكنولوجيا المعلومات والذى أكد أن أولى الخطوات لتوحيد الصف العربي هو وجوده في صورة كيانات ولو صغيرة لمواجهة المنافسة خاصة إذا كانت هذه المنافسة تكنولوجية مما دفع البعض لمطالبة بلوبي تكنولوجي، ومن ثم ظهر "الاتحاد العربي لتكنولوجيا المعلومات" وموقعه http://www.arab-ita.org/
فى فبراير 2001 وقد شارك في تأسيسه كلا من مصر والإمارات وسوريا والسعودية والمغرب والأردن والكويت وفلسطين ليرسم ويحدد السياسات ويدفع القطاع الخاص للمشاركة العربية العربية.
إلا أنه بالنظر فى موقع هذا الاتحاد فوجئت بأنه آخر تحديث له كان فى 5 سبتمبر عام 2004 ومعنى هذا أنه متوقف عن التحديث ما يقرب من عامين، ورغم أن الموقع ما زال موجوداً ويؤكد أن الاتحاد العربي لتكنولوجيا المعلومات هو اتحاد عريي نوعى متخصص غير سياسي يتبع مجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية, وهو مخصص لغرض خدمة وتلبية احتياجات المجتمع العربي لتكنولوجيا المعلومات, بالإضافة إلي توفير الإمكانيات التي من خلالها تعمل الشركات العربية العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات سويا لتحسين وللارتقاء بالصناعة بشكل عام، بالإضافة إلي المحافظة على مستويات عالية من التعاون بين أعضاء الاتحاد، ويضم الاتحاد بين أعضائه شركات متخصصة في مجال صناعة البرمجيات وخدمات تكنولوجيا المعلومات والإنترنت والتجارة الإلكترونية فضلا عن شخصيات عامة مهتمة بهذا المجال. وهكذا فإن الاتحاد العربي لتكنولوجيا المعلومات لا يقتصر فقط على كونه اتحادا ولكنه يمثل نقطة مرجعية لجميع البيانات والخدمات الخاصة بصناعة تكنولوجيا المعلومات في الوطن العربي.
ومع كل هذا الكلام الرائع إلا أن هذا الاتحاد غير موجود حالياً لا فى الواقع الافتراضي ولا فى الواقع العملي داخل المجتمع والسؤال لماذا لم يتم تحديث الموقع ولماذا لم يقم هذا الاتحاد بجهود حقيقية تجاه ما أعلنه المهندس رأفت رضوان من مواجهة التنافس التكنولوجي القائم؟
الواضح أن مشكلة هذه الكيانات التى تبدأ ضخمة وباجتماعات ومؤتمرات يحضرها الناس من كافة الدول العربية أنها كيانات فردية وأقصد بفردية أنها فردية القرار وفردية النشأة رغم عضوية دول عديدة بها، فأي كيان يكون معتمد على فرد واحد –أظنه هنا رأفت رضوان- يصبح مهدداً بالتوقف فور مغادرة هذا الشخص له أو ابتعاده لفترة لأي سبب كالعمل أو حتى حياته الاجتماعية ومن هنا فالحكم بالفشل يكون مصير هذه الكيانات.
إلا أننا يجب أن نلفت النظر إلى وجود حقيقة واحدة لا تحتاج إلى تزييف وهي أن الدول العربية في مجال تكنولوجيا المعلومات أصبحت تصنف في المستويات الأخيرة بحيث لا يوجد خلفنا إلا بعض الدول الأفريقية ودول جنوب الصحراء وهذا يرجع إلى مجموعة من العناصر الكمية والكيفية فالدول العربية على مستوى نشر خطوط التليفون إلى نسبة السكان أفضل حالا من دول جنوب شرق آسيا لكنها في نفس الوقت بالنسبة لعدد أجهزة الكمبيوتر مازالت هي الأعلى لكن العبرة في النهاية بالاستخدام وعندما نتحدث عن عدد مشتركي الانترنت إلى عدد السكان نجد أن هذه النسبة لا تزيد عن 1.5% إلى 2% في أحسن تقديراتها كما أن المحتوى العربي على الانترنت مقارنة بعدد السكان نجد أننا الأقل بهذا المحتوى فمعظم المواقع العربية تنشأ باللغة الإنجليزية وهذا يؤدي لتقليل المحتوي العربي والذي لا يزيد عن 0.09% مقارنة بعدد السكان الذي يبلغ 5% من قيمة عدد السكان في العالم علاوة على ذلك ارتفاع نسبة الأمية في الوطن العربي والتي أصبحت تمثل المركز قبل الأخير فيها كما أن الوطن العربي ذاته متنوع ومتباين بصورة كبيرة.
وأرى أن أول محاولات جادة من جانب المجتمع المدنى العربى للخوض فى هذا المجال كانت فى المرحلة الأولى من القمة العالمية لمجتمع المعلومات في مدينة جنيف بسويسرا التى انعقدت في ديسمبر 2003 دون حضور عربي ملحوظ، إلا من بعض ممثلي مؤسسات المجتمع المدني، رغم الأهمية التي حظيت بها هذه القمة وما صدر عنها من إعلان مبادئ وخطة عمل، تؤثر على علاقة الفرد والمواطن العربي بمجتمع المعلومات والمعرفة.
وقد استرعى هذا الغياب اهتمام مجموعة من نشطاء المجتمع المدني العرب الذين حضروا قمة جنيف حول المعلومات. وتداعى هؤلاء للقاء ونقاش الأولويات والاستعداد لحضور أكثر فعالية في الجزء الثاني من القمة في تونس 2005، وبالفعل تم الإتفاق على المبادئ العامة للمجموعة العربية، والتي تستند إلى ما ورد بتقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2003 المتعلق بمجتمع المعرفة، والشرعية الدولية لحقوق الإنسان كأرضية إنطلاق لتحقيق الأهداف التالية:
أولاً:
تقوية المشاركة الفعالة لمنظمات المجتمع المدني العربي لحضور القمة العالمية لمجتمع المعلومات بمرحلتها الثانية في تونس عام 2005، والاجتماعات التحضيرية الرسمية للقمة.
ثانياً:
تنمية الوعي والمعرفة بقمة تونس، والدور الذي يمكن أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني لتحقيق الإهداف المنشودة.
ثالثاً:
تطوير مجتمع المعلومات لتنمية العدالة الإجتماعية، والعمل على تمكين المرأة لتساهم في عملية التنمية المستدامة والإهتمام بالطفل وذوي الإحتياجات الخاصة والفئات المهمشة في المجتمعات العربية.
كما اتفق المجتمعون والذين كونوا مجموعات إخبارية وورش عمل على الإنترنت نظمها مركز مجتمع المعرفة بإشراف الدكتورة مارلين تادرس الذى كان له دوراً كبيراً تجاه هذا النشاط فى تشكيل مجموعة ضغط من مؤسسات المجتمع المدني العربي من أجل إيصال أهداف هذه المنظمات الى القمة، وتنسيق الجهود ما بين مجموعة مؤسسات المجتمع المدني العربي والمؤسسات الأخرى المشاركة بالقمة حول القضايا المشتركة، وإنشاء موقع عربي لمجموعة مؤسسات المجتمع المدني العربي.
كما اتفق فريق العمل أيضاً على تكليف جميع الحضور بالتعريف بالمجموعة العربية في بلدانهم والانخراط في نقاش الأولويات التي تهم المجتمع المدني العربي نحو قمة تونس لمجتمع المعلومات، وفتح العضوية أمام مؤسسات المجتمع المدني العربي للانضمام للمجموعة العربية الخاصة بقمة تونس، ومناقشة إعلان عمّان الصادر عن المؤتمر الإقليمي العربي "نحو مجتمع معلومات أكثر عدالة" كمسودة لإعلان للمجتمع المدني العربي، وتنظيم عمل مؤسسات المجتمع المدني على المستويات الوطنية، فيما يتعلق بالقمة العالمية لمجتمع المعومات بمرحلتها الثانية والتي ستعقد في تونس عام 2005 وما يلي القمة من نشاطات، والمشاركة في الإجتماعات التحضيرية للقمة والتي ستعقد في سوريا، جنيف وتونس، وتنظيم اجتماع إقليمي عربي تحضيري قبل إنعقاد قمة تونس.
وبمناسبة ذكر قمة تونس للمعلومات فقد حدث داخل هذه القمة والقمة الماضية بجنيف صراع بين دول الاتحاد الأوروبى وبين الولايات المتحدة الأميركية هذا الصراع حول إدارة الإنترنت فما زالت أميركا مصرة على الانفراد بإدارة الإنترنت رافضة أى محاولة لمشاركتها فى هذا الأمر ضاربة عرض الحائط بأى قوانين أو مؤتمرات أو أفكار تقال فى هذا الشأن ولنا أن نتخيل أن كل هذا الكم من المعلومات يدار من خلال دولة واحدة فقط هى الولايات المتحدة الأميركية وما ينتج عن ذلك من هيمنة واحتلال أقوى من الاستعمار قديماً ليس هذا فقط بل إن البرامج الرئيسية التى يعمل من خلالها جهاز الحاسب الآلى وشبكة الإنترنت هى برامج أميركية ومن إنتاج شركة مايكروسوفت والتى تخترق دائماً وبها ثغرات مستمرة يدخل من خلالها الهاكرز والجواسيس وطبعا الفيروسات.
والغريب أننا نوافق على ذلك طواعية دون أي محاولة للاعتراض أو لاتخاذ موقف وخاصة أن البديل موجود وهو البرامج المفتوحة المصدر Open source والتى سنتحدث عنها لاحقاً.
فإذا أردنا أن نتحدث عن دور المجتمع المدنى تجاه هذه القضية فيجب أن نؤكد أن للمجتمع المدني أربعة مقومات أساسية هي:
- الفعل الإرادي الحر أو التطوعي.
- التواجد في شكل منظمات.
- قبول التنوع والاختلاف بين الذات والآخرين.
- عدم السعي للوصول إلى السلطة.
ويتطلب دعم الطابع الشعبي للمجتمع المدني الاهتمام أكثر بالمنظمات الشعبية ذات الجذور العميقة فى المجتمع التي تهملها حاليًا المنظمات غير الحكومية المنشأة حديثًا وتشمل المنظمات الشعبية تحديدا النقابات المهنية والعمالية، والتعاونيات، واتحادات الطلاب، ومنظمات الحرفيين والمنظمات المهنية وتنظيمات الخدمة الاجتماعية، ويوفر هذا التنسيق استفادة المنظمات غير الحكومية وسائر مكونات المجتمع المدني من التراث الطويل والخبرات الواسعة للحركة النقابية في مجالات التعبئة وحشد القوى، ولديها الوسائل والكوادر المدربة على ذلك.
ولها خبرات هامة في المجال المطلبي، وتتوفر لدى المنظمات الأخرى التعاونية والاجتماعية والطلابية خبرات متنوعة وإمكانيات بشرية تطوعية يمكن أن تستفيد منها المنظمات الأخرى حديثة النشأة لاكتساب القدرة على التأثير والاستناد إلى قاعدة اجتماعية واسعة وامتلاك خبرات جديدة في مختلف المجالات، وسوف يساعدها ذلك على تجاوز وضعها الحالي كمنظمات منعزلة عن بعضها تعمل في إطار أهداف جزئية بحيث تتجه إلى إقامة تحالفات مع المنظمات الأخرى العاملة في نفس المجال مثل حقوق الإنسان والمرأة والبيئة والتنمية .. الخ، وتجاوز وضعها النخبوى إلى آفاق جماهيرية وشعبية أوسع تساعدها على تفعيل نشاطها واكتساب المقومات الضرورية لتحولها إلى حركات اجتماعية لها عمق شعبي كاف.
وقد اعترف الحزب الوطنى المصرى وهو الحزب الحاكم فى المؤتمر السنوى قبل الأخير له عام 2005 حول "دعم دور مؤسسات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية" أن الجمعيات الأهلية المصرية، بالرغم من تراثها الزاخر بالنماذج المضيئة والمشرفة منذ أوائل القرن التاسع عشر ودورها الحيوى كشبكة للأمان الاجتماعى، إلا أنها ما زالت تواجه صعوبات وتعانى من مشاكل هيكلية أهمها:
1 - ضعف البناء المؤسسى للجمعيات مما يكرس الشخصانية وغياب الصف الثانى فى أغلب الحالات.
2 - صعوبة الحصول على التمويل.
3 - ضعف الممارسة الديمقراطية وعزوف الشباب عن المشاركة فى عضوية الجمعيات ومجالس إداراتها، بالإضافة إلى انخفاض مشاركة المرأة فى مجالس الإدارة.
4 - الحاجة لبلورة رؤية استراتيجية أو أجندة قومية للجمعيات والمؤسسات الأهلية، تتبنى بشكل مركز وعلمى بعض أولويات قضايا التنمية مثل مكافحة الفقر والبطالة والمشاركة فى قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، بحيث تكون مشاركتها أكثر فعالية.
5 - تراجع ثقافة التطوع.
6 - طول الإجراءات من جانب الجهة الإدارية المختصة للحصول على الموافقات، سواء للتأسيس أو الحصول على التمويل للمشروعات أو تعيين أعضاء مجلس الإدارة أو غير ذلك.
وأيا كانت درجة الاختلاف فى وضع مؤسسات المجتمع المدني من بلد لآخر فإن معظمها يعاني من التوتر فى العلاقة مع الأجهزة الإدارية لأكثر من سبب منها:
1-أعطت القوانين صلاحيات كاملة للحكومة من خلال الوزارات المختصة كالشئون الاجتماعية أو العمل أو الشباب أو الداخلية في الإشراف على الجمعيات والمنظمات الأخرى. وقد تحولت هذه الصلاحيات فى التطبيق الفعلى إلى نوع من الإشراف والرقابة البيروقراطية التي انتقصت من استقلالية هذه المنظمات، كما تحولت فى بعض الأحيان إلى رقابة أمنية أثرت سلباً عليها.
2-فى بعض الأقطار العربية تتعدد مستويات الإشراف والرقابة من قبل الحكومة على المنظمات، مما يخلق مشاكل عديدة تعوق تنفيذ المشروعات التى تتبناها هذه المنظمات.
3-السلطات التى منحها القانون للحكومة فى بعض الأقطار العربية (مصر، سوريا، الإمارات، الجزائر) لحل المنظمات الأهلية أو دمجها فى أخرى، تصبح أيضاً مصدراً للتوتر وعدم الثقة بين الطرفين، أو قد تتحول إلى سلطة للتهديد فى يد الدولة فى بعض الأحيان.
4-أصبحت عملية توزيع المخصصات المالية على الجمعيات الأهلية مصدراً آخر للتوتر بينها وبين الحكومة، وقد ارتبط ذلك بتدفق المعونات الأجنبية التى يجب أن تحظى بموافقة الحكومة، وفى حالات أخرى يتم توزيعها من خلال الحكومة مما يخلق حساسية بينها وبين القطاع الأهلي.
5-تختلف درجات التعاون أو التوتر بين الحكومات والجمعيات الأهلية باختلاف الأقطار العربية وباختلاف مجالات النشاط، فالتعاون يزداد بين الحكومة والمنظمات التى تسهم فى مساندة الدولة من خلال سد الفجوات أو ثغرات الأداء الحكومى، أو من خلال اضطلاع البعض منها بدور فى تنفيذ الخطة القومية، بينما ترتفع حدة التوتر بين الحكومة والمنظمات إذا أدركت الأولى أن نشاط بعض هذه المنظمات يتضمن تهديداً أو تحديا لها. من أمثلة ذلك العلاقة بين بعض الحكومات العربية ومنظمات حقوق الإنسان. كذلك فإن التوتر بين الطرفين قد يجد مصدره فى الأشخاص القائمين على بعض هذه المنظمات حيث تبرز قيادتها كعناصر معارضة للحكم. ومن ثم فإننا نلحظ اتجاه بعض المنظمات نحو اختيار شخصيات على علاقة طيبة مع الحكومة، ليكونوا واجهة طيبة لهذه المنظمات ولضمان رضا الحكومة عما تقوم بـه من نشاط.
كما أن الحكومات استخدمت أكثر من آلية لضمان سيطرتها على مؤسسات المجتمع المدنى مثل آلية التشريع التى تفرض قيوداً عديدة على إنشاء ونشاط هذه المنظمات مما كان له أكبر الأثر فى الحد من قدراتها وإمكانيات نموها. وقد عرض عبد الغفار شكر لنماذج من هذه القيود مثل: التسجيل والإشهار حيث تشترط كل الدول العربية، ما عدا لبنان والمغرب، موافقة السلطات الحكومية قبل بدء النشاط، وتوضع شروط مبهمة وغامضة لقيامها مثل عدم مخالفة النظام العام وإثارة الفتنة وتستخدم هذه الشروط لرفض قيام الجمعيات التى لا تطمئن إليها الحكومة.
ويعتبر قرار الرفض نهائياً لا يجوز التظلم منه أمام جهة قضائية فى بعض الأقطار العربية. ونرى نفس القواعد بالنسبة للنقابات العمالية والمهنية حيث لا يجوز إنشاء أكثر من نقابة لكل مهنة أو أكثر من لجنة نقابية فى نفس الموقع، هذا بالإضافة إلى سلطة حل الجمعيات حيث أن حل هذه الجمعيات بواسطة السلطة الإدارية لا يقل خطورة وربما كان أكثر من رفض تأسيسها خاصة إذا أعطيت الجهات الإدارية حق حل الجمعيات فى غير المخالفات الخطيرة وبدون حق الاستئناف إلى القضاء. وفيما عدا لبنان والمغرب فإن معظم التشريعات العربية تعطى للسلطة الإدارية حق حل الجمعيات لأسباب متنوعة يمكن أن تصدر بشأنها عقوبات أقل مثل الإنذار أو لفت النظر وليس حل الجمعية.
كما تلتزم الجمعيات بعدم الحصول على تبرعات إلا بعد موافقة الجهة الإدارية وضرورة تحديد مصادر التمويل، ويستخدم التمويل الأجنبى ذريعة لمحاربة الجمعيات واتخاذ إجراءات ضدها، كما يتم فرض عقوبات مغلظة على أعضاء مجالس الإدارة المخالفين يصل إلى عقوبة السجن مما يؤدى إلى إحجام المواطنين عن المشاركة فى العمل التطوعى خوفاً من التعرض لهذه العقوبات.
ورغم أن الدساتير فى معظم الأقطار العربية تؤكد حق المواطنين فى إنشاء الجمعيات والنقابات إلا أن التشريعات المطبقة تسلب المواطنين هذا الحق وتحرمهم من ممارسته بحرية. وكنموذج لهذا الوضع فإن قانون النقابات العمالية فى مصر يعطى للجهة الإدارية وهى وزارة العمل سلطات واسعة بالنسبة للنقابات مثل الحق فى الاعتراض على تكوين النقابة وطلب حل مجلس الإدارة المنتخب ومنح وزير العمل سلطة تحديد شروط العضوية فى مجلس الإدارة وقواعد تمثيل أعضاء اللجان النقابية فى النقابات العامة.
وحق تحديد مواعيد الانتخابات وإجراءات الترشيح والانتخاب لمجالس الإدارة، وإصدار اللائحة النموذجية واعتماد اللائحة المالية ومراقبة مالية النقابات. وما تزال هذه الوصاية الإدارية قائمة رغم صدور حكم المحكمة الدستورية فى 15/4/1995 الذى ينص على "حق النقابة ذاتها فى أن تقرر بنفسها أهدافها ووسائل تحقيقها وطرق تمويلها، والمواد والقواعد التى تنظم بها شئونها، ولا يجوز بوجه خاص إرهاقها بقيود تعطل مباشرتها لتلك الحقوق أو تمتعها بالشخصية الاعتبارية على قبولها الحد منها ولا أن يكون تأسيسها بأذن من الجهة الإدارية، ولا أن تتدخل هذه الجهة الإدارية فى عملها بما يعوق إدارتها لشئونها ولا أن تقرر حلها أو وقف نشاطها عقابا لها، ولا أن تحل نفسها محل المنظمة النقابية فيما تراه أفضل لتأكيد مصالح أعضائها والنضال من أجلها".
دور البرامج المفتوحة المصدر فى الخروج عن الهيمنة الأميركية:
الفكرة فى البرامج مفتوحة المصدر أنها ببساطة برامح كل الكود بتاعها مفتوح ويمكن لأى أحد تعديله وتغييره وإعادة نشره، فكلنا نستخدم فى الغالب منتجات مايكروسوفت مثل وورد وباوربوينت وما إلى هذا بل وكلنا يستخدم فى الغالب أيضا إنترنت إكسبلورر وهو أيضا من منتجات مايكروسوفت ونستخدم نوع من أنواع الويندوز ألبس كذلك؟.
المشكلة فى هذا أن هناك إعتمادا تاما على منتجات شركة واحدة بلا منافس, وكلما أخرجت هذه الشركة ويندوز جديد أو وورد جديد لهثنا وراءها لنشتري الجديد وإلا بقينا متخلفين عن الآخرين. وهكذا أصبح إعتمادنا على شركة واحدة إعتمادا كليا مما يشكل الكثير من المشاكل إن لم تكن الأخطار، لذلك هناك الآن حركة باسم المصادر المفتوحة, فهناك بدائل عن الويندوز مثل اللينكس, وبها برامج تعمل مع الويندوز حتى أنه إذا أردنا التحويل إلى لينكس لا نشعر أننا بمفردنا وأننا فقدنا الإتصال بكل الناس الذين لديهم ويندوز.
بالنسبة لتركيب اللينوكس, ولكن الآن وحتى نكون واقعيين, يمكن إستخدام البرامج بشكل عام المفتوحة المصدر والتى تعمل على نظام ويندوز وليس بالضرورة اللينكس, مثل اوبن اوفيس وهو بديل لوورد وباوربوينت وإكسل بالإضافة إلى ذلك, فلنفكر قليلا فى مشكلة الإعتماد على شركة كبرى واحدة مثل مايكروسوفت, فهناك أيضا مشكلة أمنية أو تخص أمن الدول.
يعنى لو أنه مثلا فى الحكومات الإلكترونية التى تقوم فى كل مكان الآن قامت الحكومات باستخدام منتجات مايكروسوفت أو منتجات أية شركة كبرى فإن كل بيانات الدولة ستكون على هذه البرامج التى لا تملكها وبالتالي فيها خطورة كبيرة على أمن الدولة.
وهنا يأتى خطاب عضو الكونجرس من بيرو الذى إتخذ قرارا لدولة بيرو بعدم إستخدام منتجات مايكروسوفت فى الشئون الدولية أو المتعلقة ببيانات الدولة, بل إستخدام البرامج مفتوحة المصدر مما دعا مايكروسوفت لترد عليه محاولة طمأنته إلا أنه رد عليها مرة أخرى بالرفض الكامل.
فالفكرة فى البرمجيات المفتوحة أن المصدر مفتوح وبالتالي لو حدث أى تلاعب فى الكود يمكن للكل معرفته لأنه مفتوح وهناك الملايين حول العالم من الذين يعرفون الكود ويعملون بالمصادر المفتوحة. أما لو كان مغلقا فيمكن وضع أي كود يريده المبرمج للحصول على البيانات أو للتلاعب فى البيانات, ولكن مفتوح المصدر لا يمكن أن يحدث هذا لأنه مفتوح هذا من الناحية الأمنية، وعندما يحدث عطل ما فنحن لسنا تحت رحمة المبرمج الأصلي وشركته لكي يصلح العطب بل يتم إصلاحه على الفور وفى غضون ساعات معدودة من كل المبرمجين حول العالم.
ومثال لذلك هو إنترنت إكسبلورر مثلا: به كم هائل من الأعطاب والبدائل مفتوحة المصدر موجودة. كل الفيروسات تقريبا التى تأتى من الإنترنت (وليس من البريد) هى من إكسبلورر, وشركة مايكروسوفت تصلح الأمور ولكن كلما كان لديها الوقت أو كلما أصبح الخطر غير محتمل أو تم فضح الخطر. بينما في البرامح الأخرى مفتوحة المصدر مثل فايرفوكس على سبيل المثال, عندما يظهر عطل واحد يقوم الآلاف من المبرمجين بإصلاحه فى ذات اليوم.
اتحاد كتاب الإنترنت العرب.. نموذج وتحدِّ
ومن هذا المنطلق لمفهوم المجتمع المدني والنشر الإلكتروني قام مجموعة من المثقفين العرب بإنشاء اتحاد لكتاب الإنترنت العرب من أهم أهدافه حماية الحقوق الفكرية للكتاب العاملين فى مجال شبكة الإنترنت والدفاع عن حقوقهم ونشر الثقافة الرقمية فى أنحاء الوطن العربى ليكون منظمة غير حكومية لا تهدف للربح ومن أجل تحقيق الأهداف التالية:
1- نشر الوعي بالثقافة الرقمية في أوساط المثقفين والكتاب والإعلاميين العرب وكذلك نشر الوعي بالثقافة الرقمية بين أوساط الشعب العربي.
2- السعى لتحقيق قفزات نوعية في وعي الشعب العربي عموما للالتحاق بركب الثورة الرقمية التي تجتاح العالم.
3- المساهمة الفعالة في نشر الثقافة والإبداع الأدبي العربي، من خلال استخدام وسائل العصر الرقمي بما فيها شبكة الإنترنت.
4- توحيد الجهود الفردية للمثقفين العرب عموما وأعضاء الاتحاد خصوصا لنشر وترسيخ مفهوم الثقافة الإلكترونية، والدخول بقوة فاعلة ومؤثرة عالميا للعصر الرقمي.
5- رعاية المبدعين والموهوبين العرب، وتنمية قدراتهم والعمل على إبرازها ونشرها رقميا.
6- السعي الحثيث لإدخال الثقافة والإبداع العربي بأصنافه كافة، ضمن سيل المعلومات المتدفق السريع
7- ترسيخ مفهوم أدب الواقعية الرقمية، بصفته الأكثر قدرة على الاتساق مع روح العصر
8- إنشاء دار نشر إلكترونية تسهم في نشر الإبداع الأدبي العربي بكافة أشكاله
9- التواصل الفعَّال والمؤثر مع سيل المعلومات المتدفق من خلال التواصل مع المثقفين من أرجاء العالم كافة، وإنشاء صيغ للتبادل الثقافي معهم باستخدام شبكة الإنترنت.
10- العمل على إيجاد مكتبة إلكترونية عربية شاملة تحتوي على الإنتاج الثقافي العربي ونشره إلكترونيا.
11- الدفاع عن حقوق الملكية الفكرية للكتاب الذين يمارسون كتاباتهم رقميا وعلى شبكة الإنترنت.
وقد تم تسجيل الاتحاد مؤخراً كمؤسسة مدنية عربية بالأردن وسوف يتم بإذن الله إقامة أول مؤتمر عربى دولى للإعلان عن اتحاد كتاب الإنترنت العرب، والأهم أنه سيكون من أولويات العمل هو تشكيل لجنة عمل لبحث سبل مواجهة وتفعيل موضوع حماية الملكية الفكرية على الإنترنت، ليكون للاتحاد دوراً فعالاً تجاه هذه القضية.
حسام عبد القادر
باحث واعلامي مصري
والنص ورقة قدمت في المؤتمر العربي الاول للثقافة الرقمية في طرابلس (مارس 2007)
المصدر
ميدل إيست أونلاين
http://www.middle-east-online.com/?id=46056