المرافعة هي ذلك الإبداع الفني الخالص من المحامي، الذي يتعلمه ويكتسبه في بدايات حياته العملية ويطوره ويضيف إليه دائما على مر السنوات، هذا الإبداع يشكل في حقيقة الأمر إنتاج قانوني وفكري وفني من طراز خاص وفريد من نوعه، فالمحامي يضيف دائما جديدا من خلال مرافعته إلى الفكر القانوني والإنساني مبدعا حلولا قانونية واقعية وربما أحيانا يكشف عن ثغرات في النص القانوني لم يتنبه لها المشرع ولا القضاء من قبل، فمن خلال المرافعة يعرض آرائه وأفكاره ومنطقه في فهم القانون وتطبيقه على واقعة الدعوى ويسوق الأدلة والبراهين القانونية والمنطقية ويطرحها بأسلوبه وبطريقته التي أعدها مسبقا، ذلك يشكل نموذجا فريدا جديدا مبدعا لم يسبقه أحد إليه بهذه الطريقة وبهذا الترتيب والاستنتاج.
على الرغم من أهمية المرافعة في الحياة العملية للمحامي؛ إلا أن هناك اضمحلال قد أصابها ولهذا الاضمحلال أساب عدة يمكن حصرها في: سبب يتصل بالمحامي: وهو عدم توفر التدريب الجيد والكافي والعملي للمحامي المبتدئ، وسبب ثاني يتصل بالقاضي: وهو ضيق وقت القاضي فلا يترك الوقت للمحامي للترافع وإظهار وثقل موهبته نظرا لكثرة عدد القضايا التي ينظرها القاضي في الجلسة الواحدة وعدم اقتناع القاضي بجدوى المرافعة في بعض الأحيان نتيجة ما يراه من تهافت المحامين على المرافعة دون الإعداد الجيد لها، وفي المجمل فإن منظومة العدالة تحتاج إلى إعادة نظر من جديد.
وهذا الأمر لا يجعلنا نغفل أهمية المرافعة بصفة عامة في جميع القضايا، وخاصة في القضايا الجنائية، والجنايات على وجه الدقة فمازالت محاكم الجنايات تعتمد على المرافعة الشفوية أثناء الجلسات وكذلك بعض دوائر الجنح المستأنفة.
فالأصل في المحاكمات الجنائية هو شفوية المرافعة لأن القاضي الجنائي يبني عقيدته من خلال أوراق الدعوى والمرافعة الشفوية من الإدعاء والدفاع وأقوال الشهور وغيرها من الأدلة، فالعبرة في المحاكمة الجنائية هو باقتناع القاضي وهذا الاقتناع لا يتولد إلى من خلال مرافعة مشوقة ممتعة تعجل القاضي يستمع إليها في شغف ويعمل حاسة البحث والاكتشاف لديه للوصول إلى الحقيقة التي يطرحها المحامي في استنتاج عقلي وقانوني ومنطقي، وكي يعمل القاضي العدالة التي هي هدفه الأول والأخير.
أما المحاكمات المدنية بصفة عامة فإن المرافعة فيها تقتصر على إيضاح بعض النقاط الهامة والضرورية وذلك لعدة اعتبارات منها أن القاضي المدني لا يبني عقيدته في الدعوى في غالبية القضايا على الاقتناع العقلي، فدائما ما يغلب القاضي المدني المستندات المطروح أمامه على المرافعة الشفوية أو حتى اقتناعه الشخصي، كما أن القاضي المدني لا يصدر حكمه في الدعوى في ذات جلسة المرافعة بناء على عقيدته التي تكونت من ملف الدعوى ومن المرافعة الشفوية ومن طرفي الخصومة كما يفعل القاضي الجنائي ولكن القضية المدنية قد تأخذ عدة جلسات قد تطول لعدة شهور أو سنوات وقد يتغير القاضي أو القضاة أعضاء المحكمة أو في أفضل الأحوال أن القضاة اعتادوا تأجيل النطق بالحكم لجلسة تالية بعد شهر أو شهرين أو ثلاث أو أكثر وفقا لما يراه وبناء على ذلك فلا جدوى بين مرافعة القاضي وتكوين عقيدته نظرا للمدة الزمنية التي قد تطول بين المرافعة والحكم.
لذلك تتراجع أهمية المرافعة الشفوية أمام القضاء المدني ويستعيض عنها بالمذكرات المكتوبة.
ومازالت المرافعة الشفوية - كما ذكرنا – تحتل مكانها البارز في المحاكمات الجنائية، فعملية المرافعة هي باختصار تتكون من ثلاثة مراحل أساسية، المرحلة الأولى وهي مرحلة إعداد المرافعة، وهي المرحلة السابقة على المرافعة أمام المحكمة، وفي خلال هذه المرحلة يتم الاستعداد وبحث وتكوين الرأي لدى المحامي حول الموقف القانوني للقضية والتفكير في أفضل الطرق والأساليب التي يرى المحامي استخدامها في المرافعة وتجهيز وصياغة الدفوع القانونية والواقعية أو بمعنى آخر هي مرحلة تحضير وتجهيز المرافعة، والمرحلة الثانية هي مرحلة تقديم المرافعة نفسها وهي مرحلة في غاية الأهمية، أما المرحلة الثالثة وهي مرحلة ما بعد المرافعة والتي من خلالها يقوم المحامي بمراجعة وتقييم المرافعة التي قدمها ليتعلم من تجاربه ويقرر مدى توفيقه أو عدم توفيقه في عرض بعض الموضوعات.
لذلك يمكننا تقسيم المرافعة إلى ثلاثة مراحل، يمر بها المحامي عند إعداد المرافعة أو يجب أن يمر بها هذه المراحل هي:
1 – مرحلة إعداد المرافعة.
2 – مرحلة المرافعة.
3 – مرحلة ما بعد المرافعة.
فماذا يفعل المحامي قبل المرافعة؟
وماذا يفعل المحامي أثناء المرافعة؟
وماذا يفعل ما بعد المرافعة؟
السؤال لا يقتصر على "ماذا يفعل"، بل يتجاوز ذلك إلى "كيف يفعل"؟؟؟؟
هذا هو السؤال الذي أحاول الإجابة عنه من خلال بحث "فن المرافعة".
أشرف محفوظ
مرسلة بواسطة الخبير القانوني في 2:04 ص ليست هناك تعليقات:
إرسال بالبريد الإلكترونيكتابة مدونة حول هذه المشاركةالمشاركة في Twitterالمشاركة في Facebookالمشاركة على Pinterest
روابط هذه الرسالة
ردود الأفعال: |
[size=30]الموضوع: فن المرافعة: كيف تصبح مترافع جيد أشرف محفوظ المحامي بالاستئناف والخبير القانوني واستشاري الصياغة القانونية[/size]
تاء
قبل أن تقرأ
قبل أن تقرأ
ليعلم القارئ – بدء ذي بدء - أنني لن أتعرض لقواعد المرافعة من الناحية القانونية أو من ناحية حقوق وواجبات وضمانات المحامي ولا من ناحية المبادئ والقواعد التي أرستها محكمة النقض المصرية في شأن المرافعة وحقوق المحامي وضماناته وواجباته أثناء المرافعة وهذه الموضوعات قد تحدث فيها كثير من الأساتذة المحامين وأساتذة الجامعات وشراح وفقهاء القانون، وهذا جانب يتعلق بالمعلومات القانونية وهو ليس موضوع بحثي الآن وعلى من يريد معرفة تلك المعلومات الرجوع إلى مصادرها المتعددة والتي تذخر بها المكتبة القانونية العربية.
أما نحن الآن سوف نتناول فن المرافعة من زاوية المهارات والسلوكيات الخاصة بالمحامي، تلك المهارات والسلوكيات التي ستتحول من خلال الممارسة إلى قيم واتجاهات تشكل في نهاية المطاف أساس علمي للمرافعة.
مرسلة بواسطة الخبير القانوني في 1:58 ص ليست هناك تعليقات:
إرسال بالبريد الإلكترونيكتابة مدونة حول هذه المشاركةالمشاركة في Twitterالمشاركة في Facebookالمشاركة على Pinterest
روابط هذه الرسالة
ردود الأفعال: |
[size=30]فن المرافعة: كيف تصبح مترافع جيد[/size]
باء
التقنيات الحديثة في فن المرافعة
من يملك التأثير في الآخرين يملك مفاتيح النجاح
يعتقد بعض المحامين أن المحامي ظاهرة صوتية فقط، وهذا اعتقاد خاطئ، لأن مهارات المحامي هي التي تؤهله للنجاح في عمله وتلك المهارات متنوعة ومتعدد والصوت هو أحد تلك المهارات.
فإذا حاولنا أولا أن نقول معنى كلمة المهارة هي القدرة على القيام بعمل معين بطريقة جيدة.
فصانع الفطير لديه مهارة في صناعته وصانع الذهب لديه المهارة، والكاتب لديه تلك المهارة وغيره من الأعمال لكل منهم مهارته، وبقدر إتقان تلك المهارة بقدر ما كان هذا الشخص ناجحا في عمله وهكذا.
وبالإضافة إلى التقنيات المباشرة التي سوف نتحدث عنها في مجال فن المرافعة والتي تتلخص في تلك الأعمال والأنشطة التي يقوم بها المحامي قبل المرافعة وتلك التي يقوم بها أثناء المرافعة هناك عدة تقنيات حديث في مجال فن المرافعة سوف نتعرض لها أيضا وهذه التقنيات هي:
1 - مهارات التنشيط والتيسير: وهي مهارة الحديث، مهارة الإنصات، مهارة طرح الأسئلة، وهذه المهارات الثلاثة يطلق عليها مسمى مهارات التنشيط أي تلك التي تنشط الشخص السامع ويجعله يتفاعل معك ويشاركك الرأي والفكر بموضوعية.
2 – مهارات الاتصال: ومهارة الاتصال لها الكثير من الجوانب التي ينبغي على المحامي إدراكها والإلمام بها، والاتصال هو علم من العلوم الإنسانية وله أصوله وأنواعه ومناهجه والتي سوف نتكلم عنها بالتفصيل في المكان المخصص لها في هذا المؤلف.
3 – علم البرمجة اللغوية العصبية: وهو علم يدرس كيفية التفوق الإنساني ويساعدك على أن تفهم نفسك وأن تفهم الآخرين.
4 – علم النفس: وهو من أهم العلوم المتصلة بمجال عمل المحامي أثناء المرافعة.
5 – فن التمثيل: فالتمثيل والمرافعة يجمعهما عدة جوانب مشتركة.
6 – علم الفراسة أو لغة الجسد: وهذا العلم يساعدك في كيفية التعرف على انطباعات الآخرين دون أن يعبوا عنها بالكلام، كما يساعد في توصيل معلومات وأفكار من المحامي دون أن يفصح عنها باللسان أو بالإضافة على ما أفصح عنه باللسان.
علوم كثيرة ومعارف لا حصر لها يمكن للمحامي الاستفادة منها من أجل تطوير المرافعة ومن أجل امتلاك أسباب النجاح.
التقنيات الحديثة في فن المرافعة
من يملك التأثير في الآخرين يملك مفاتيح النجاح
يعتقد بعض المحامين أن المحامي ظاهرة صوتية فقط، وهذا اعتقاد خاطئ، لأن مهارات المحامي هي التي تؤهله للنجاح في عمله وتلك المهارات متنوعة ومتعدد والصوت هو أحد تلك المهارات.
فإذا حاولنا أولا أن نقول معنى كلمة المهارة هي القدرة على القيام بعمل معين بطريقة جيدة.
فصانع الفطير لديه مهارة في صناعته وصانع الذهب لديه المهارة، والكاتب لديه تلك المهارة وغيره من الأعمال لكل منهم مهارته، وبقدر إتقان تلك المهارة بقدر ما كان هذا الشخص ناجحا في عمله وهكذا.
وبالإضافة إلى التقنيات المباشرة التي سوف نتحدث عنها في مجال فن المرافعة والتي تتلخص في تلك الأعمال والأنشطة التي يقوم بها المحامي قبل المرافعة وتلك التي يقوم بها أثناء المرافعة هناك عدة تقنيات حديث في مجال فن المرافعة سوف نتعرض لها أيضا وهذه التقنيات هي:
1 - مهارات التنشيط والتيسير: وهي مهارة الحديث، مهارة الإنصات، مهارة طرح الأسئلة، وهذه المهارات الثلاثة يطلق عليها مسمى مهارات التنشيط أي تلك التي تنشط الشخص السامع ويجعله يتفاعل معك ويشاركك الرأي والفكر بموضوعية.
2 – مهارات الاتصال: ومهارة الاتصال لها الكثير من الجوانب التي ينبغي على المحامي إدراكها والإلمام بها، والاتصال هو علم من العلوم الإنسانية وله أصوله وأنواعه ومناهجه والتي سوف نتكلم عنها بالتفصيل في المكان المخصص لها في هذا المؤلف.
3 – علم البرمجة اللغوية العصبية: وهو علم يدرس كيفية التفوق الإنساني ويساعدك على أن تفهم نفسك وأن تفهم الآخرين.
4 – علم النفس: وهو من أهم العلوم المتصلة بمجال عمل المحامي أثناء المرافعة.
5 – فن التمثيل: فالتمثيل والمرافعة يجمعهما عدة جوانب مشتركة.
6 – علم الفراسة أو لغة الجسد: وهذا العلم يساعدك في كيفية التعرف على انطباعات الآخرين دون أن يعبوا عنها بالكلام، كما يساعد في توصيل معلومات وأفكار من المحامي دون أن يفصح عنها باللسان أو بالإضافة على ما أفصح عنه باللسان.
علوم كثيرة ومعارف لا حصر لها يمكن للمحامي الاستفادة منها من أجل تطوير المرافعة ومن أجل امتلاك أسباب النجاح.
ولنتذكر أن من يملك التأثير في الآخرين يملك مفاتيح النجاح
مرسلة بواسطة الخبير القانوني في 10:31 م ليست هناك تعليقات:
إرسال بالبريد الإلكترونيكتابة مدونة حول هذه المشاركةالمشاركة في Twitterالمشاركة في Facebookالمشاركة على Pinterest
روابط هذه الرسالة
ردود الأفعال: |
[size=30]فن المرافعة: كيف تصبح مترافع جيد[/size]
فن المرافعة: كيف تصبح مترافع جيد
بقلم
أشرف محفوظ
المحامي بالاستئناف
والخبير القانوني
واستشاري الصياغة القانونية
ألف
المرافعة
يرى كثير من الناس أن المحامي الناجح يملك سحرا من نوع خاص يستطيع أن يسخره لأغراضه عند المرافعة فيستطيع أن يلغي وعي القاضي وإدراكه بحقائق الدعوى المطروحة ويجعله يفكر كما يريده أن يفكر ذلك الساحر.
بالطبع هناك أشياء كثيرة من هذه المقولة في غاية الأهمية بالنسبة للمحامي، ومن الواضح أنني أتكلم عن المحامي الناجح الذي يستطيع أن يطوع قدراته وملكاته الفكرية واللغوية والعصبية وقدراته الاتصالية أثناء المرافعة ليتمكن من الوصول إلى ما يريده ويسعى إليه.
فالعملية ليست سحرا ولا ساحر ولكنها عملية القدرة على فهم ديناميكية عملية المرافعة واستيعاب كافة العناصر والمجالات التي تؤثر فيها بصورة جيدة.
فهناك محامون ناجحون يمتلكون أجزاء من هذه المعرفة وهناك آخرون لا يملكون هذه المعرفة، وهذا هو الفارق المميز بين هذا وذاك، هو فارق في القدرات المعرفية والتي قد يطلق عليها الناس أحيانا مسمى "الخبرة"، أو "التجارب"، وهو في حقيقة الأمر فارق في استخدام القدرات البشرية في الاتصال وفهم الآخرين.
ومن يمتلك هذه المعرفة ينجح حتى وإن كان غير مدرك لهذه الحقيقة، ومن لا يمتلك هذه المعرفة يفشل بدون شك وإن نجح بالمصادفة أحيانا، فمعرفة هذه الحقيقة - أن النجاح مبني على المعرفة والعلم والجهد وسعي المحامي لامتلاك هذه المعرفة وهذا العلم وتأصيل هذه الأفكار والطرق والعمل على استخدامها - هو الذي يدفع المحامي إلى النجاح والتقدم في عمله وفي تحقيق النجاح.
والقول بوجود نماذج ناجحة في الماضي القريب أو البعيد تحققت وحققت نجاحات عدة في عالم المحاماة بدون معرفة وإلمام بتقنيات وديناميكيات المرافعة - وإن كان هذا الكلام حقيقي - فإنه قد تحقق مصادفة، كما أنه تحقق دون دراسة ودون تأصيل علمي، لذلك كانت هذه النجاحات محفوفة بالمخاطر والانتكاسات، لأنها كانت تعتمد على الخبرة أو الشهرة، دون الارتكاز على العلم والمعرفة اللذان هم الأبقى والأنجح بدون شك.