المحـكمون العرب يرحب بكم حسام الدين منير محام ومحكم ووكيل براءات اختراع عضو اتحاد المحامين العر

اهلا وسهلا بكم في موقعنا المتواضع الذي يشرف بزيارتكم العظيمه له

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

المحـكمون العرب يرحب بكم حسام الدين منير محام ومحكم ووكيل براءات اختراع عضو اتحاد المحامين العر

اهلا وسهلا بكم في موقعنا المتواضع الذي يشرف بزيارتكم العظيمه له

المحـكمون العرب يرحب بكم حسام الدين منير محام ومحكم ووكيل براءات اختراع عضو اتحاد المحامين العر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المحـكمون العرب يرحب بكم حسام الدين منير محام ومحكم ووكيل براءات اختراع عضو اتحاد المحامين العر

موقع قانوني يهتم بكل فئات وفروع القانون وبالاخص الفروع المستحدثه من القوانين مثل التحكيم والملكيه الفكريه


    حريه الكلمه والمحاماه

    Admin
    Admin
    Admin


    عدد المساهمات : 168
    نقاط : 464
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 18/06/2009
    العمر : 48

    حريه الكلمه والمحاماه Empty حريه الكلمه والمحاماه

    مُساهمة من طرف Admin السبت 23 فبراير 2013, 10:13 am

    رسالة المحاماة‏:‏ أمانة وحرية الكلمة‏!
    كمال النضج أن يتسع أفق الآدمي ليري كل موضوع من شتي نواحيه‏..‏ ألا ينغلق علي نظر فيسقط او يتجاهل او يشيح عن آخر أو لا يراه‏!!‏ وظني ان أمانة الكلمة والحرية الواجبة لها والحق من ثم في إبدائها‏,‏ من القضايا التي تتماس مع حقوق اخري او اخرين جديرة هي الاخري بالنظر والرعاية‏..‏ فحق القول وحريته قد يصطدم بشرف وعرض واعتبار اخرين‏,‏ وحق القائل في ابداء ما يريد قد يدمر آخرين‏,‏ وربما يجمح القول فيجافي الحق والصواب فيأتي التدمير اجحافا بحقوق أخري يضطرب أمر المجتمع اذا عجز عن صيانتها بايجاد توازن فاهم واع ومتفطن إلي ان كل حق قد تقابله حقوق أخري‏,‏ وان كل حرية قد تمس حريات آخرين‏,‏ فحق الاستماع إلي ما يشاء المرء‏,‏ يصطدم بحق الجار في ألا يقطع عليه جموح الصوت سكينته او يشوش علي هدوئه أو علي ما عساه يختاره للاستماع إليه في حدود مقره وحق صاحب البناء في تعلية حدوده او تجنيحها إلي اخر المدي الذي يتيح له ما يريد من التوسعة علي نفسه‏,‏ يصطدم بحق جاره الموازي لهذا الحق فالحدود المشتركة المتماسة حدود للطرفين‏,‏ وحق كل طرف علي الآخر ألا يسرف او يتعسف في استعمال حقه فيجور علي جاره‏!‏
    وحق النظر والمشاهدة والاستمتاع بالتوسع أو الاختراق بهما‏,‏ يقابله حق الآخر في ان تصان له خصوصيته من الفضول وحب الاستطلاع او التلصص او الاستراق او التصنت أو التجسس‏!!‏ وحق الفرد في اعتناق العقيدة التي يؤمن بها‏,‏ يقابله حق مواز لكل آخر في ان يعتنق العقيدة التي أنس اليها واعتقد انها الصواب‏!‏ وحق ممارس الالعاب الرياضية في اباحة ما تقتضيه الممارسة يقابله حق اللاعب الآخر في وجوب الالتزام بحدودها وإلا غادرت الاباحة إلي التأثيم‏!‏ وقوامة رب الاسرة علي أسرته‏,‏ يقابلها حق أفرادها في حدود لممارسة هذه القوامة حتي لا تشتط فتؤذي وتضر‏!‏ وحق المحامي والخصم بعامة في أن يدلي من الحجج في ساحة الخصومة القضائية بما يكفل اظهار حقه يقابله وجوب التزام مستلزمات ومقتضيات الدفاع‏!‏ وحق الطبيب والجراح في الاباحة الطبية‏,‏ يقابله حق المريض في التزام الطبيب بالأمانة وبالأصول والقواعد الطبية‏!‏
    الحق المطلق لا وجود له‏,‏ والحرية المطلقة قد تعدم حقوق وحريات الآخرين‏!‏ إلي ذلك التفتت كل دساتير العالم المتحضر‏!‏ فتبنت منظومة متكاملة للحقوق تراعي إقرارها وحمايتها من ناحية‏,‏ وتراعي محاذير التصادم او التعارض او التزاحم او التباري او التقابل وتمايز واختلاف اعتبارات ومبررات وتوجهات كل حق بحيث لا يجور علي الحقوق الأخرى التي رآها الدستور‏,‏ ورآها المجتمع قبل الدستور‏,‏ جديرة بالحماية الدستورية‏,‏ مما ألزم ويلزم بالالتفات إلي ان كل حق يقابله واجب الالتزام باحترام حقوق الآخرين‏!‏
    الدستور المصري يحمي العديد من الحقوق المتقابلة‏..‏ يحمي حق الدفاع بالأصالة وبالوكالة‏,‏ ويحمي حق اللجوء إلي القضاء‏,‏ ويحمي حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والطباعة والنشر والاعلام‏,‏ ويحمي حرية البحث العلمي والابداع الفني والادبي والثقافي‏,‏ ويحمي استقلال ودور السلطة القضائية ويحصن أعضاءها من العزل‏.‏ إلخ‏,‏ بيد ان الدستور في المقابل قرر وشمل بالحماية الحريات التي يمكن ان تمسها ممارسة هذه الحقوق‏..‏ حمي المقبوض عليه ووضع ضوابط معاملته في المادة‏42/‏ وقرر بالمادة‏43‏ عدم جواز اجراء تجربة طبية او علمية علي انسان بغير رضائه الحر‏,‏ وحمي في المادة‏/45‏ الحياة الخاصة للمواطنين ومراسلاتهم ومحادثاتهم‏..‏ إلخ وحمي في المادة‏/44‏ حرمة المساكن‏,‏ وكفل في المادة‏/46‏ حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية‏,‏ ووصل في المادة‏/57‏ إلي حدم تقرير عدم تقادم كل اعتداء يقع علي الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة التي يكفلها الدستور والقانون وجعل الدولة كافلة التعويض العادل لمن وقع عليه الاعتداء‏!‏
    التفات الفرد‏,‏ والتفات المجتمع‏,‏ إلي هذا التقابل بين الحقوق والحريات‏,‏ هو علامة نضج وفهم‏,‏ والاشاحة او الاعراض عنه او عدم النظر إليه او العجز عن رؤيته‏,‏ آية مراهقة وضيق نظر وانكفاء وسطحية قد تصل إلي العمي الضرير‏!‏
    من العوامل التي تعين المحامي ـ اذا أراد ـ علي الرؤية الشاملة ان مواقفه في القضايا والخصومات بعامة‏,‏ مواقف متعددة متغيرة متنوعة‏,‏ يقف اليوم إلي جوار صاحب رأي او نقد او طعن أبداه وله فيه حجة قوية او متوسطة او ضعيفة‏,‏ او إلي جوار متهم بسب او قذف او اساءة وخدش للاعتبار للمتهم به ذريعة من اباحة او حسن نية او دفاع علي تعد عليه لا يقره القانون‏,‏ بيد ان المحامي قد يقف غدا إلي جانب مجني عليه في طعن او قذف او سب او خدش للشرف او العرض او الاعتبار‏..‏
    هذه المواقف المتباينة التي تسلس اليها الحياة تستدعي ـ ويجب ان تستدعي ـ كل معارف وعلم وملكات المحامي لتشكل رؤيته ولتبدو حجته هنا وهناك ـ مقنعة محققة لمرادها‏,‏ وهي لن تكون مقنعة إلا اذا صدرت عن رؤية متكاملة تري الامور باتساعها وبجوانبها المتقابلة‏..‏ فليس يجدي في الاحتجاج‏,‏ ناهيك بالاقناع ان ترصف العبارات انتصارا ضريرا لحق القول والقائل ـ إذا كان واضحا من الظروف ان القائل قد أسرف واشتط ناهيك بان يكون قد حرف او كذب او تجني‏,‏ وليس يجدي المجني عليه التذرع بخصوصية وحرمة حياته اذا كان الطعن او القذف قد انصرف إلي أعمال باشرها المقذوف من واقع نهوضه او تكليفه بأعباء وظيفة عامة أو خدمة عامة‏..‏ قد يجدي دفاعه اثبات عدم ملاءمة العبارات او تركها الاعمال إلي الطعن الشخصي او الايذاء الشخصي دون الغاية العامة‏,‏ ولكن لن يجديه ان يتجاهل حق نقد الأعمال العامة‏,‏ او ان يشيح عن الحقوق المتقابلة وما تفرضه من قواعد وضوابط يجب علي اللبيب ان يلتفت وان يتفطن اليها‏!‏
    رسالة المحاماة تقتضي من المحامي ان يري ذلك كله بعين النضج والفهم والوعي والعقل والانصاف‏..‏ ذلك ما تركه لنا المحامي الفذ والعلامة الجليل محمد عبدالله محمد في درته الخالدة في جرائم النشر‏:‏ حرية الفكر والأصول العامة‏.‏
    رسالة المحاماة‏:‏ حرية الفكر والتعبير‏
    لامعني لحرية الفكر بغير رأي يملكه المفكر لا يصادر ولا يحجر عليه فيه‏,‏ ولامعني لحرية الفكر والرأي بغير الحق والحرية في التعبير عما اهتدي إليه العقل واستقر عليه الفكر والرأي‏..‏ هذا التعبير متعدد الصور والأشكال والوسائل‏..‏ يباشره الآدمي في كلامه وفي حديثه‏..‏ في مشافهته وفي مكاتبته‏..‏ قد يسر به إلي صديق أو جليس أو رفيق قد يبثه في اجتماع أو محفل‏,‏ وقد يضمنه رسالة خاصة إلي واحد أو أكثر من أصدقائه أو معارفه أو من يعني بالتواصل معهم‏..‏ وقد يختار بثه وتعميمه ويتخذ من النشر في مطبوعة أو أخري وسيلة لهذا البث والنشر والتعميم‏..‏ هذه الممارسات المتنوعة‏,‏ يحفل بها الآدمي العادي في خاصة وعامة شئونه‏,‏ ولكن مهنة الكاتب والمؤلف والصحفي بعامة‏,‏ لأن التعبير هو همه وشجنه وغاية عمله ورسالته‏..‏ المحامي يشارك هؤلاء في كل هذه الهموم والشجون‏,‏ ولكن حمله أثقل‏!‏
    حرية الفكر والرأي والتعبير‏,‏ يحتاجها المحامي كما يحتاجها المبدع والمؤلف والكاتب والصحفي‏,‏ ولكن مشكلة ممارسة هذه الحرية لدي المحامي أعوص وأعضل‏..‏ المبدع والمؤلف والكاتب والصحفي‏,‏ يستطيع في سهولة ويسر‏,‏ أن يكون وراء ما يعتقده أو حتي يظنه ويتبناه‏..‏ لا تذهب نفسه أشتاتا بين اليمين واليسار‏,‏ أو بين الشمال والجنوب‏..‏ وهو قد أعمل فكره وحصل منه مايري أو يعتقد أو يظن أو يتبني أنه الصواب‏,‏ وليس مطالبا بفصام يدع فيها ما اعتقده إلي مالا يعتقده‏..‏ بيد أن المحامي يوظف ملكاته لآخرين‏,‏ فهو ليس الأصيل وإنما هو نائب أو وكيل في قضاياه‏,‏ وهذه النيابة أو الوكالة تضعه علي امتداد الحياة في مواقف قد تكون متباينة‏..‏ لست أقصد التقابل بين العدل والظلم أو بين الحق والباطل‏,‏ فالوقوف إلي جوار الحق والعدل واجب‏,‏ والابتعاد عن مناصرة الباطل والظلم أوجب‏..‏ ما أقصده هو اختلاف زوايا الرؤية تبعا لتقابل المواقف أو اختلافها‏..‏ تتقابل المواقف ـ بغض النظر عمن هو صاحب الحق ـ بين الادعاء والاتهام‏,‏ أو بين المتهم والمجني عليه‏,‏ وتتقابل ـ وتختلف تبعا لذلك زوايا الرؤية ـ بين البائع والمشتري‏,‏ والمؤجر والمستأجر‏,‏ والراهن والمرتهن‏,‏ والمودع والأمين‏,‏ والمقرض والمفترض‏,‏ ورب العمل والعامل‏,‏ والمخدوم والمستخدم‏,‏ وقد تختلف في المسئولية الطبية بين الطبيب والمريض‏,‏ وتختلف وتتباين بالقطع بين المزور والمزور عليه‏,‏ وبين المدعي والمدعي عليه‏,‏ وبين الكفيل والمكفول‏,‏ وبين الطاعن بعامة والمطعون فيه أو عليه‏..‏ صور التقابل والتباين لا تنتهي‏,‏ ولكل موقف من هذه المواقف رؤية‏..‏ تغد ومهمة المحامي بشأنها أيسر فيما يتعلق بجانب الواقع أو الوقائع‏..‏ فالمجادلة في الواقعة مردها إلي الدليل وقوته من ضعفه‏,‏
    واستقامته من اهتزازه‏,‏ وصحته من بطلانه‏..‏ وميدان الحركة والاستنباط والاستدلال والتخريج والإقناع في ذلك كله واسع‏,‏ لا يصطدم فيه المحامي بفكره ومعتقده مادام قد اختار الجانب الذي يعتقد بصدق أنه الحق والصواب‏..‏ بيد أن الدفاع بعامة لا يجري بمعزل عن التكييف وهذا التكييف ثمرة علم وفكر ورؤية ونظر‏..‏ وهذا هو الجانب المعضل في المسألة‏,‏ هي لا تثأر بقوة في القضايا التي بطبيعتها تتسع المعالجة فيها لجانب الواقع أو الوقائع وتضيق أو تقل مساحة الفكر‏..‏ بيد أن هناك من القضايا ما تضيق فيه مساحة المجادلة في الوقائع‏,‏ لأنها ثابتة ثبوتا لا جدوي من المنازعة فيه‏,‏ كالدليل المستمد من صحيفة دعوي إساءة حق التقاضي‏,‏ أو صحيفة الدعوي أو المذكرة التي تضمنت سبا وقذفا أو بلاغا كاذبا‏,‏ أو الدليل المستمد من المطبوعة في جرائم النشر‏,‏ مثل هذه القضايا التي تستمد الوقائع فيها برهانها في الإسناد من دليل كتابي يتمثل في صحيفة دعوي أو مذكرة أو مطبوعة‏,‏ تضيق فيها مساحة تناول الواقع لتتسع وربما بلا حدود مساحة الرأي والتكييف والفكر‏..‏ وهذا هو الامتحان الصعب للمحامي‏,‏ لأن ما سوف يقوله اليوم في إطار الرأي والفكر والتكييف‏,‏ قد يصطدم به غدا إن لم يكن قد التزم الموضوعية والرؤية الشاملة المتأملة المتمعنة المنصفة‏..‏ يفقد المحامي وقاره ومكانته واحترامه الواجب إذا تحول الي محض مأجور يعطي عقله وفكره لكل موقف‏!!‏ لا يستطيع المحامي حامل رسالة المحاماة أن يقسم الفكر إلي جزر شتي متفرقة يختار منها كل يوم ما يريد حسب الطلب‏!!..‏ يبتعد الممارس عن رسالة وجوهر المحاماة إذ وظف ملكاته وقدراته وفكره لتخديم الملوي علي موقف موكل ابتعد بفعله عن الحق والعدل والانصاف‏!!‏
    في قضايا الفكر والرأي‏,‏ سواء كانت قضايا نشر‏,‏ أو إساءة حق التقاضي الذي اقتحمته قضايا التكفير وطلب التفريق وإشفاء الغليل بالطعن والرجم والإساءة‏!!..‏ـ لا مناص للمحامي عن معتقد فكري ينطلق منه للدفاع‏,‏ وعن رؤية يجب أن تكون شاملة حتي لا تختلط الأمور والأفكار في صفحة وجدانه‏,‏ وحتي يحافظ علي احترامه لنفسه‏,‏ وهو أولي وأجدر بالرعاية من احترام المخدوعين المعجبين‏..‏ في أثيرته كان عباس العقاد يقول‏:‏ إنني أحرص علي احترامي لنفسي قبل أن أحرص علي احترام الناس لي‏..‏ إذا أحبك الناس مخدوعين فلا تفرح‏,‏ وإذا كرهك الناس مخدوعين فلا تحزن‏,‏ بعض الكراهات خير لك من بعض المحبات كثيرون هم الذين أكلوا علي مائدة رائعة محمد عبد الله محمد‏:‏ في جرائم النشر‏:‏ حرية الفكر والأصول العاملة ولكن قليلون من أشاروا في حواشي مؤلفاتهم الي مرجعه الذي أخذوا منه أو نقلوا عنه‏,‏ وقليلون جدا ـ وللأسف ـ من تأملوا برؤية وانتفعوا انتفاعا شاملا بما ورد فيه‏.‏ من عاداتنا السيئة‏,‏ إننا نلجأ إلي المراجع في عجلة نتغيا البحث فيها عما نستشهد به في قضية‏,‏ بيد أن هذه النتف المقتطعة تحت ضغط الظروف والقضايا لا تكون القاعدة المعرفية والنظر الشامل الواجب لحرية الفكر‏..‏ في بداية رائعة محمد عبد الله محمد مائة وأربعون صفحة في حرية الفكر‏:‏ مضمونها ونشأتها وتطورها وصراعاتها ووسائل الاعراب عنها وما واجهته وتواجهه‏..‏ هذه الصفحات قد تبدو غير مسعفة للمتعجل الباحث عن عبارة تفيده أو حكم يسنده‏,‏ ولكنها تكون قاعدة الكتاب وأساس الفهم الشامل والرؤية المتكاملة والتي لا غناء للمحامي وللقاضي عنها‏..‏
    لا يمكن لراغب الفهم أن يعي الجزئيات والفروع إذا لم يدرك مضمون الأصول والقواعد العامة‏..‏ لا يستطيع طالب الحقيقة أن يري حقائق الأشياء إلا إذا نظر إليها من بعيد‏..‏ لا يتعاطي الحكمة إلا ذلك الذي أعطي العين التي تري الأشياء في جملتها لا من جزء منها‏!!
    حرية الفكر والرأي والتعبير‏,‏ هي روح المحاماة‏,‏ مثلما هي روح الإبداع والتأليف والكتابة والصحافة‏…‏ بغير هذه الحرية ينطفيء هذا كله ويصيبه الفقر والإجداب ثم الموت‏!….‏ وعلي قدر أهمية هذه الحرية ولزومها لزوم الحياة نفسها‏,‏ علي قدر ما يتعين الإلمام بمعناها‏…‏ كثيرون هم من يتحدثون عن حرية الرأي‏,‏ ولكن قليلون هم من وقفوا ليتأملوا ما معني كلمة الرأي‏,‏ ولو تأملوا لعرفوا أن هذه الكلمة تحمل علي أوسع معانيها‏,‏ ولعرفوا أنها تشمل ما يعلمه الفرد ويعتقد صحته أو جديته مما يهم المصلحة العامة‏.‏ وأن هذا يبين ويجلي ويوضح أنه ليس مجرد متنفس لبث الأحقاد والضغائن والمآرب‏,‏ لأنه لا يكون رأيا مالم يكن صاحبه معتقدا صحته أو جديته‏…‏ بغير هذا الاعتقاد بالصحة والجدية في أمر يهم المصلحة العامة لا يكون هناك رأي وإنما الميل أو الهوي أو الغرض الذي لا يدخل في دائرة الرأي‏!!‏ وكثيرون هم من يتشدقون بحرية الفكر والرأي‏….‏ دون أن يعرفوا أو يدركوا أن حرية الفكر عقيدة أخلاقية لأنها تقوم علي حسن نية العقل الذي ينشد الحقيقة ويستهدف الخير ويرفض الكذب ويعاف الوضيع من الأخلاق‏,‏ وأنه بدون حسن النية والإخلاص‏,‏ لا توجد حرية الفكر التي ناضلت الإنسانية من أجلها‏,‏ بل يوجد الغرض أو الهوي الذي تستعبده الشهوة أو المصلحة ينطلق مدفوعا بهما لا ينشر إلا الشر والفساد
    والإيذاء أينما اتجه‏!…‏ حرية الفكر ليست حرية الكذب والغش‏…‏ ويكون الشخص كاذبا حين يتعمد تغيير الحقيقة أو ذكر ما يخالفها أو يغايرها ويتعمد إخفاء حقيقة موقفه ورأيه فيما يقوله لغرض سييء‏,‏ ويكون الغرض سيئا حين يستهدف المرء هدفا قريبا أو بعيدا تمقته الجماعة وتزدريه‏…‏ فالكذب بهذا المعني ولهذا الغرض لا يدخل البتة في إطار حسن النية أو حرية الفكر التي ترفض مثل هذا وتأباه‏!!….‏ وكثيرون هم من يتحدثون عن قضايا أو جرائم النشر‏,‏ وقليلون هم من توقفوا ليفهموا ماهي جرائم النشر‏,‏ بل ويسميها بعضهم‏:‏ جرائم الرأي‏,‏ مع أنه لا يوجد ما يسمي جرائم الرأي‏…‏ فالرأي لا إثم فيه ولا جرم عليه‏,‏ ولا يؤثمه القانون أيا ما كانت المبالغة او الشدة فيه‏,‏ طالما استقامت له مقدماته من اعتقاد مبدية بصدقه أو بجديته وابتعاده عن وهدة الأغراض والمآرب التي تتحرك لإشفاء الغليل بالإيذاء المقصود لذاته علي غير اعتقد بصدق أو جدية‏!….‏ جرائم النشر ليست جرائم رأي‏,‏ وإنما هي مسمي للقذف أو السب أو العيب أو الإهانة أو طعن الأعراض الذي وقع بسوء نية بطريق النشر في مطبوعة سواء وقع من صحفي او غير صحفي‏…‏ وهذه الخاصية قد أثارت ولاتزال تثير رؤي متقابلة‏,‏ مردها كفالة الحرية الواجب تهيئتها للصحافة لتباشر رسالتها الحقيقية الصحيحة من ناحية‏,‏ والوقاية الواجبة أيضا للناس من أثر استخدام المطبعة بعامة في زيادة نطاق تأثيرها ومضاعفة خطرها وصعوبة استدراك أضرارها إذا خرجت المطبوعة عن حدود الرأي والنقد ـ وهو مباح ـ إلي السب والقذف والإهانة والعيب والطعن في الأعراض‏…‏ فدائرة تأثير المطبعة تمتد إلي ملايين بدل الآحاد‏,‏ وتمتد عبر الزمان مابقيت المطبوعة في متناول الناس‏,‏ وقد يمتد هذه لآماد وآماد يطالعها فيها من فاته مطالعتها من عام أو مائة أو ألف عام‏,‏ وهذا يجعل انتشار السب والقذف والطعن والعيب والإهانة في دائرة بالغة الاتساع بغير حد‏!!…‏ وهذا سلطان هائل للمطبعة‏,‏ يضاعف من أثره الخطير أنه لا يمكن قمعه مسبقا مهما اشتط وتجني‏,‏ إذ لا سبيل لمعرفة الجرم ـ إن كان ـ إلا بعد وقوع النشر بالفعل واتصال مضمونه بالجمهور حاملا أثره الضار أو المؤذي او الناسف او المدمر لمن وقعت عليه الجريمة‏…‏ لذلك كانت جرائم النشر أشد من جرائم السب والقذف التي تقع في دائرة محدودة بغير طريق النشر‏,‏ الأمر الذي حدا بالمشرع الإيطالي ـ مثلا ـ إلي تشديد العقاب عليها في المادة‏/595‏ من قانون العقوبات الإيطالي‏…‏ هذا العقاب ليس عقابا علي رأي أو فكر أو نقد‏,‏ وإنما علي السب والقذف بسوء نية بطريق النشر‏!…‏ تجريم السب والقذف الواقع بطريق النشر ليس ترصدا للصحافة أو للصحفي‏,‏ فالمحامي يعاقب ـ وقد يحبس ـ إذا تجاوز الإباحة المقررة في المادة‏309‏ عقوبات إذا صدر عنه سب وقذف ليس من مستلزمات الدفاع‏,‏ والطبيب قد يعاقب ويحبس رغم سمو رسالة الطب ونبل غرض الطبيب ـ إذا ما وقع منه خطأ مهني جسيم مس مريضه في حياته أو في سلامة بدنه‏.‏ والمهندس قد يعاقب ويحبس رغم أن صناعته وهدفه العمار ـ إذا ما تسبب البناء الذي أخطأ في إقامته في المساس بالأرواح أو الممتلكات‏!…‏
    لم يستثن المشرع أحدا من هؤلاء المهنيين من قواعد المسئولية لأنه لو فعل لخرج عن مبدأ المساواة وهو مبدأ دستوري يفارق التشريع إذا خرج عن هذه الدستورية الواجبة له إذا خالفه أو خرج عن مقتضياته‏…‏ العقاب عن جريمة النشر ليس مصادرة علي حرية القول أو حرية الصحافة أو الكتابة أو التأليف أو التعبير‏…‏ قد يميل الرأي أو ينحاز أو يعنف ويشتط بل وقد يخطي دون أن يكون ذلك سببا لتجريم أو عقاب‏…‏ فحق النقد فرع هام جدا علي حرية الفكر نابع من نظرية استعمال الحق التي تعطي الصحافة والصحفي مشروعية الوجود والأداء والحماية‏…‏ هذه المشروعية معطاة لنقد الأعمال‏,‏ الأفعال والتصرفات والسلوكيات‏,‏ السياسات وليست للشتم والإهانة والطعن الشخصي في الأعراض‏…‏ ولاتضييق في ذلك علي صاحب الرأي أو النقد‏,‏ فيبقي النقد مباحا حتي ولو كان خاطئا أو اشتد أو حصل بعنف وحدة أو قست عبارته‏…‏ الإلمام بهذا ـ وغيره كثير‏,‏ يشكل البناء الفكري الذي ـ وإن استغني عنه صاحب الغرض أو الهوي‏,‏ فإنه ـ لا غناء عنه للمبدع والمؤلف والصحفي والكاتب‏,‏ ولا غناء عنه بداهة للقاضي وللمحامي‏…‏ الخطر الذي يحيق بممارس الكلمة إذا أخطأ أو قعد عن تحصيل هذه المعاني والقواعد والأصول‏,‏ مقصور علي الواقعة التي شرد فيها‏,‏ بيد أن الخطر الذي يحيق بالمحامي إذا أخطأ أو قعد عن تحصيل ذلك أو الإلتزام به إن كان قد حصله وترخص في إتباعه‏,‏ يعرضه لفصام داخلي موجع‏,‏ ويصوره أمام الجمهور في صوره لا تليق به ولا بالمحاماة‏…‏ وقد يدفعه ـ مريدا أو غير مريد ـ إلي الاشتراك أو الإسهام في مواكب الصخب والضجيج المغلوط الذي يحول المجني عليهم إلي جناة‏,‏ ويحول الجناة إلي شهداء محاطين بالطبل والزمر تحت شعارات تستخدم في غير موضعها وعلي خلاف معناها ومقصودها‏!!!…‏ في هذا الخلط والتخليط تتماحي الخطوط بين حرية الفكر والرأي والتعبير‏,‏ وبين أمانة الكلمة والصدق الواجب فيها‏,‏ وتنسحب الشرعية أمام الصخب‏.‏ ولا يعود أمام المظاليم إلا أخذ حقوقهم بأيديهم‏,‏ وتبتعد المحاماة عن الرسالة السامية التي بقيت حاملة لشعلتها منذ أن كانت‏!‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 19 أبريل 2024, 9:47 am